أحمد الهلالي

مكاشفة حول كبار السن المتحرشين!

الثلاثاء - 31 مايو 2022

Tue - 31 May 2022

قبل أيام شاهدت مقطع فيديو لرجل طاعن في السن يتحرش بلطف مضحك بعاملة منزلية، ضاقت به ذرعا فاضطرت لتصويره لإثبات الحادثة، والمؤذي أن المقطع انتشر وأنشأ المغردون حوله وسما يشنع فعل المسن، ويدعو إلى عقابه، وهذا مبرر؛ لأن نظرة الوقار هي الغالبة على رؤية المجتمع للمسنين، فتكون تصرفاتهم المضادة صادمة، لا يمكن تقبلها، ولا التعاطف معها!

ولأن موضوع كبار السن يشغل حيزا من تفكيري وتأملاتي؛ سأتناوله من زاوية أخرى، تتعلق بالقدرات الإدراكية للإنسان، وخير مدخل إلى هذا، يأتي من تأمل الآية الكريمة: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}، فتأملوا رسم الآية للعمر كقوس القبة، يبدأ منحناه الأول من ضعف الطفولة، وينتهي الثاني في ضعف الشيخوخة، التي تراها بعض المنظمات الأممية تبدأ من 60 ـ 65 للرجال، و50 للنساء، وأميل إلى السبعين للرجل والستين للمرأة.

وإذا اعتبرنا سن 70 للرجل بداية الشيخوخة الفعلية، فإن كبار السن منهم يعانون عددا من المشاكل الجسدية، والنفسية، والاجتماعية، فالتعب الجسدي، والانطواء، والعزلة أحيانا تزيد من معاناتهم، ومثلها ارتباطهم المستمر بالعيادات الطبية، ناهيك عن ارتسام شبح الموت مع تتالي أخبار موت أصدقائهم.

هذا على المستوى العام، وهناك حالات خاصة يفقد فيها المسن شريكة حياته بموت أو انفصال، وفي انشغال أقاربه بحياتهم وأعمالهم تزداد الضغوط عليه، ويزداد عزلة ربما تصيبه بالاكتئاب.

أضف إلى ذلك ضعف القدرات الإدراكية لدى المسن، فالدماغ كسائر الأعضاء يشيخ، ويبدأ انكماش الفص الأمامي والمناطق المتعلقة بالوظائف الإدراكية، كما تقل كثافة القشرة الخارجية، وكذلك تنكمش خلايا الميالين (Myelin) ناقلة الإشارات العصبية بين خلايا المخ، وتضعف ناقلات الرسائل العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين، للتناقص المستمر في كيميائية المخ، حتى يتأثر الإدراك وتضعف الذاكرة.

كل ما سبق يتجلى في ردود أفعال المسنين، فيزداد غضبهم على أقاربهم، ويواجهون المحيطين بالعتاب الحاد، ولأنهم فقدوا مراكزهم المؤثرة في مجتمعهم وفي أسرهم؛ يتعلقون بـ(العناد) وتصلب المواقف تحقيقا لذواتهم، ناهيك عن الحيل الطفولية المكشوفة التي يمارسونها، وهي أقصى ما لديهم؛ لأن القدرات العقلية لم تعد كما كانت، أما ردة الفعل على فقد (الشريك) فتتجلى في أمرين: الأول، التهاب العواطف، وتفجر الحميمية، فأعتى الرجال سابقا تتفجر دموعه أمام مواقف عادية، والثاني، موضوع (الجنس) فهو مرتبط لديه بالعاطفة ارتباطا وثيقا، يتجلى في أحاديثه عن شبابه دون اكتراث بما كان يخبئ من أسرار، وربما يختلق مواقف خيالية، أو يتلفظ بمصطلحات جنسية كان يتورع عنها، وهذا شائع في مجالس المحرومين منهم!

وارتباطا بهذا الموضوع، يكفيك أن تتأمل بعض كبار السن من الرجال في المستشفيات سواء في مراجعاتهم أو في غرف التنويم، كيف يبتهجون بملاطفة الممرضات (ملائكة الرحمة) ويعرضون عليهن (الزواج) مازحين، وهم يتلذذون كثيرا بتلك الملاطفات، ويبتهج واحدهم بلمسة يدها من وراء القفاز حين تحقنه أو تقيس حرارته أو ضغطه، حتى إن بعضهم لينتظر مراجعة المستشفى من أجل هذا، وربما في تفكير طفولي يحتال أو يدعي المرض في أي وقت لتتحقق له هذه الرغبة!

فإن كان بعضهم كذلك في الأماكن العامة، فماذا ستكون ردة فعله حين تقوم ممرضة أو عاملة منزلية بخدمته في البيت، فلا أستغرب مطلقا أن تتحرك في نفسه أشياء لا يستطيع كبتها، ويبدأ في حيله الطفولية، والتقرب رويدا رويدا، وهو يعلم أنه عاجز تماما عن كل ما يدور في أذهاننا، لكنها سطوة الغريزة، ولظى الحرمان، وقلة الاهتمام!

يجدر بنا تقدير كبار السن، وتفهم حالة الضعف (الحقيقية) التي بلغوها، ومعاملتهم معاملة كريمة رحيمة، معاملة ذكية تمنعهم من إيذاء أنفسهم والآخرين، وفي ذات الوقت تشعرهم بوجودهم، معاملة تشبه معاملتنا لأطفالنا، فلا نعنفهم إن عاندوا، ولا نأخذ كلامهم وتوبيخهم على محمل الجد، خاصة من (ربات البيوت) الكريمات، وكذلك العاملات الأجنبيات، يجب أن نتعاطى بعقلانية ورحمة مع تحرشاتهم ما دامت لا تخرج إلى محاولات عنيفة، مع ضرورة أخذهم إلى العيادات النفسية، وزيارة من تبقى من أصدقائهم القدماء.

@ahmad_helali