عبدالحليم البراك

نقد الفكر الخلاصي

الاثنين - 30 مايو 2022

Mon - 30 May 2022

الفكر الخلاصي هو الذي يسعى لفرض رؤية أن خلاص الإنسان ينحصر في تحقيق هدف محدد، ينتهي من خلاله جهد الإنسان لأنه وصل لجنة الخلاص النهائية، ولم تكن الأديان في بعض تفسيراتها تنهج النهج الخلاصي فحسب، بل حتى الإيديولوجيات المتعارضة مع الأديان، رأت في أفكارها أنها خلاص للعالم وحل نهائي أو على الأقل نهاية تطور الفكر الإنساني (فكرة نهاية التاريخ على سبيل المثال)، مستبعدة ما يمكن أن يحققه الإنسان من تطور مستمر وغير منقطع في الفكر والتصور وفلسفة حياته.

فإن كانت الأديان والمذاهب تعد بأن خلاص الإنسان وسعادته ونهاية أمله في جنة الخلاص؛ فإن مذاهب وأفكار أخرى رأت نفس الشيء لكن بطريقة أخرى، فرأت الماركسية خلاص الإنسان في الفكر الشيوعي وهو التطور المثالي النهائي لشكل العلاقات والفكر الإنساني، فإن أفكارا أخرى خلاصية رأت في الجنس الأوروبي حلا، والجنس الآري تحديدا تفوقا «النازية مثالا» ورأى آخرون أن الرأسمالية العالمية هي «نهاية التاريخ.» ورأى بعض اليمين الإسلامي أن «الإسلام هو الحل» في مصطلح الوعد الخلاصي بالإسلام، بينما أن «التدافع» مصطلح قرآني مقرر، و « لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» كمصطلح حديثي لا يقرر الخلاصية بل يقرر التدافع والجدل.

إذن يحمل الفكر الخلاصي سمات محددة، مثل شمولية الحل لديه، نظرا لسيطرة الحل (الواحد) على عقليته، ولا يعتمد العقلية الجدلية التي تطور الإنسان بفعل الجدل بين الأفكار؛ فهو يعطي فكرة واحدة أو حل واحد أو مذهب واحد لحل كل مشاكل العالم، وسمة أخرى أنه فكر أحادي، وإن كان الفكر الأحادي ناتج -بشكل طبيعي من الفكر الشمولي - إلا أن بعض الأفكار الشمولية قد تقبل الجدلية داخل شموليتها، لكنها في النهاية تخلص للأحادية الحادة في افتراض حل وحيد لخلاص الإنسانية من مشاكلها المتراكمة، وإن كان ثمة سمة أخرى فهي القطعية والثقة، فإن كانت الشكية تترك مساحة لرأي آخر - قد يكون حلا - إلا الخلاصية لا تترك مساحة للجدل والحوار والافتراضيات الممكنة، بل تفترض في نفسها حلا قاطعا لا يقبل الشك.

وهذه الخلاصية يمكن وصمها بالحالة الثقافية، إذ أنها ليست حالة سياسية أو حالة فكرية، أو حتى حالة فلسفية، بل هي أيضا حالة ثقافية متجذرة في الإنسان، في يومه وحياته وتراثه، إذ تتمثل في تبنيها ما يفيد خلاص الإنسان للوصول لهدفه؛ لا يتم إلا بفكرة العودة لفكرة الخلاصية كمدخل أساسي للوصول للحل، فإن كان يمكن للماركسية أن تحل مشكلة الاقتصاد والعمال، فإنها يمكن أن تحل فكرة مشاكل الفرد النفسية والفكرية (علم النفس) رغم أن أبرز نقد للماركسية كان في تركيزها على اقتصاد المجتمع/ الجماعة وإهمالها الفرد، إلا أن أصحاب الفكر الخلاصي يمكنهم لي أعناق النصوص الماركسية لتوافق هذا الفكر مباشرة (ظهرت في الفكر النفسي الماركسي)، وفي الأديان، كانت القرون الوسطى تشهد تدخل الدين المسيحي في حل الإشكالات الطبيعية والعلمية، فالدين الخلاصي يتسرب من العقائد إلى الطبيعة بسبب الأفكار الشمولية في المذهب الخلاصي.

وهكذا يستخدم بعض الإسلاميين أفكارا خلاصية، تعني قدرة الدين على فهم الكيمياء والفيزياء وأنه مدخل لها (أسلمة العلوم كفكرة)، برغم أن الإسلام دين هداية، وليس كتابا علميا ثقافيا، بسبب النظرة الشمولية المصطنعة له!

والسؤال، لماذا تفشل الأفكار الخلاصية، أو على الأقل تضعف في مواجهة التطورات البشرية؟ لسببين اثنين، أنها ترفض النقد في داخلها من جهة؛ فلا تسمح بجدلية التصحيح من الداخل، ومن جهة أخرى لا تؤمن بمحدودية أي فكرة، بل بشموليتها، بحيث لا أن تكون مختصة بما جاءت به دون أن يطورها الإنسان لتشمل (كل شيء وأي شيء) فيضعه في غير موضوعها حتى تتهالك بفعل التعصب لها!

Halemalbaarrak@