باسل النيرب

التاريخ الإعلامي للقباحة

الاثنين - 30 مايو 2022

Mon - 30 May 2022

عندما تقرأ كتاب التاريخ الثقافي للقباحة لمؤلفته «غريتش هندرسن» فإنك تكتشف مفاهيم القباحة عبر التاريخ وعددا من أطروحات القباحة الأكثر تحديا للذوق العام التي مرت عبر التاريخ الثقافي للشعوب، ولو طبقنا أو رصدنا أفكار الكتاب على برامج التواصل الاجتماعي لوجدنا أن الأمر يتكرر ولكن في سياق مختلف، فالتاريخ الإعلامي للقباحة لم يتوقف على منصة محددة أو دولة معينة أو نوعية محددة من المحتوى بل أخذ في التوسع والانتشار مستعينا بجمهور ضحل الفكر، مما يعزز من انتشار صاحب أو صاحبة المحتوى؛ في الكثير منها يكون الأعلى «تخبيصا» أو «استهبالا» أو «خروجا عن المألوف» هو المستفيد حضورا إعلانيا، وفي المقابل يخسر الجمهور والمجتمع ذائقته الفنية.

ضمن التاريخ الثقافي للقباحة قصص متداولة عن الإمبراطور الروماني إيلاغابالوس الذي كان معتادا على دعوة ثمانية رجال إلى مأدبته لكي يضحك على اجتماعهم، وفي جانب آخر أبعد قليلا تم تشكيل نوادي خاصة للقباحة الذين وصفوا بأنهم هجين ما بين بشر وحيوانات، أو إقامة معارض متخصصة يشارك بها الجمهور ويشتري التذاكر للمشاهدة، وقد انتشرت هذه الظاهرة بشكل مباشر بعد عام 1830 ودخول العصر الصناعي، حيث بدأ الاستغلال التجاري لمن وصفوا بالهجين ما بين البشر والحيوانات وأسست أماكن ثابته تقام عليها المعارض وهنا ظهرت أقبح امرأة في العالم «جوليا باسترانا».

حياة الشهرة التي رافقت «جوليا» بدأت في حياتها وامتدت إلى ما بعد وفاتها ليس لفرط جمالها أو تأثيرها في المحيط أو قدرتها التحدث بثلاث لغات؛ ولكن لقبحها واستغلالها تجاريا من قبل زوجها الذي دفعها لصالات العرض ولقبت بالسيدة الأقبح ومن ألقابها التي انتشرت عنها: «المرأة القردة»، «السيدة البابون»، «المرأة الدب»، ولم يتوقف الأمر عند الألقاب بل امتد إلى استغلال الصحف الأمريكية نجاح «جوليا» ونشره أخبارا كاذبة مفادها أن قبيلة جوليا بالمكسيك قبيلة متوحشة تسمح بالتزاوج بين البشر والحيوانات!!

الاستغلال الأبشع جاء بعد وفاتها على يد زوجها الذي باع جثتها لطبيب روسي وتكفل بتحنيطها وعرضها على الجمهور بمقابل مالي، ومرة ثانية عرف زوج «جوليا» بنشاطات الطبيب الروسي وطالب باستعادة جثة زوجته المحنطة ليقوم بوضعها داخل غرفة زجاجية وعرضها على الجمهور في مختلف الدول بمقابل مالي، وخلال إحدى جولاته عثر الزوج على امرأة مصابة بتشوه فرط نمو الشعر النادر المرض الذي حملته زوجته فما كان منه إلا أن تزوجها ليعتمدها في عروضه موهما الجمهور أنها شقيقة «جوليا»، وإخفاء جثة زوجته السابقة عن الأنظار.

قصة الجثة وتعرضها للسرقة ونقلها إلى جامعة أوسلو ثم دفنها قصة تعبر عن الآلم حتى في التعامل مع جثث الموتى فمهما كان للميت حرمته، والشاهد من القصة أن حكاية الترويج والاستغلال الإعلاني تعبر عن واقع مخالف فمن روج لنساء أنهم أكثر قباحة على مستوى العالم كانوا الأكثر رقة وحب للحياة ولكن لأسباب مرضية وتعرضهم للتشوهات تم استغلالهن، واليوم أصحاب الإعلانات على منصات التواصل الاجتماعي يستخدمون كل وسيلة لجذب الانتباه منها المبالغة والترويج لقصص مختلقة وأحداث غير واقعية، وطبعا التعتيم على الأرقام وذكر الفوائد دون الحديث عن الأضرار أو الفائدة لعدد محدود من الجمهور، أما قصص التصوير والتعديلات والفلاتر واختيار الزاوية الأفضل والوضع الأفضل فهذا باب واسع جدا لخداع وتظليل المتابعين.

الاستغلال الإعلاني مخيف جدا وهو قائم بشكل دقيق على محاربة الهوية الثقافية وتنمية النزعة الاستهلاكية وطبعا ضرب وتشويه الذائقة الفنية للمجتمع مما يؤثر وبشكل واضح على كافة العناصر التي تشكل المجتمعات ثقافيا، صحيا، اجتماعيا، اقتصاديا، وما كان في السابق يدفع له نخبة المجتمع ومترفيها للمشاهدة والاستماع في العروض الحصرية، بات اليوم يقدم على منصات التواصل الاجتماعي مجانا.

@b_nerab