فارس الماضي

لكي لا تفوتك الطفرة الثانية

الاحد - 29 مايو 2022

Sun - 29 May 2022

مرت على السعودية طفرات اقتصادية متعددة.

ولكن المجتمع السعودي لايزال يتذكر الطفرة السعودية الأولى (1395هـ - 1405هـ)، حيث إنها غيرت من شكل وتركيبة المجتمع بشكل واضح، بعكس الطفرات الأخرى التي كانت اقتصادية ومالية بحتة.

اعتمدت الطفرة السعودية الأولى على التنمية العمرانية؛ إذ تغيرت بفعلها خارطة مدن وقرى المملكة، وانتقلت من مدن وقرى طينية، شوارعها ترابية ذات النمط الاستيطاني الريفي والقروي والبدوي، وأنماط أخرى من مساكن الأعشاش، وربما الصفيح وأكواخ الصيادين (الأسماك) وخيام الرعاة، إلى الطراز المعماري الحديث، الطراز الأوروبي: الأسمنتي والرخامي والزجاجي، وتساوت الطرز المعمارية بالمملكة، وتماثلت القرى بالمدن، وأصبحت المملكة بطرازها الحديث تنافس دولا عالمية عمرها الحضاري يفوقنا بمئات السنين.

ولكن الطفرة الحالية التي يعيشها المجتمع السعودي قد تكون أكبر طفرة اقتصادية واجتماعية على الإطلاق، حيث بدأ التحول الأكبر عام 2016 مع إطلاق «رؤية 2030» التي وضعت خلال 5 سنوات أسس أكبر تحول اقتصادي منذ اكتشاف النفط.

في أساس هذا التحول إنفاق بمئات مليارات الدولارات من «صندوق الاستثمارات العامة» لتأسيس مدن جديدة، وقطاعات وصناعات لم يكن لها وجود، مثل السياحة والترفيه والصناعات العسكرية وصناعة السيارات الكهربائية.

في حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في المنتدى الاقتصادي العالمي، العام الماضي، أخبر عن فرص استثمارية تصل إلى 6 تريليونات دولار خلال الأعوام العشر المقبلة، ونصف المبلغ تقريبا لمشاريع استثمارية جديدة.

هذه الحزمة جزء من الرؤية الهادفة إلى تحويل الاقتصاد السعودي إلى قوة اقتصادية معتبرة غير معتمدة على صادرات النفط.

الإصلاحات الاقتصادية عززت من مستوى المعدلات الاقتصادية لمعظم الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك القطاع غير النفطي، كما سهلت دخول رأسمال أجنبي ضخم إلى المملكة.

الإجراءات والقرارات الإصلاحية، بما في ذلك السياسات الاقتصادية، التي اتخذتها واتبعتها وانتهجتها الحكومة السعودية مؤخرا، أسهمت بشكل كبير في تطوير البنية التحتية للاقتصاد السعودي بجميع الاتجاهات، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على البيئة الاستثمارية المحلية.

يتحسر العديد من كبار السن ومن عاشوا خلال الطفرة الأولى على عدم استطاعة رؤية الفرص الجديدة والهائلة في حجمها (آن ذاك)، لذلك يجب على الشباب المبادرة في استغلال الطفرة الحالية، حيث إن السعودية طرحت فرصا متعددة منبثقة من مشاريع الخصخصة التي بدأت فعليا، فلنأخذ مثلا القطاع الصحي الذي يحتوي العديد من الفرص الاستثمارية الجاهزة، ناهيك عن فرص القطاع التعليمي والنقل والطاقة البديلة والترفيه والسياحة وغيرها الكثير، حيث أصبح استخراج تراخيص ممارسة الأعمال متيسرا وبكل سهولة وبلا أي حاجة لزيارة أي جهة حكومية، فكل شيء أصبح متوفرا الكترونيا.

الفلسفة الاستثمارية لدى المواطن السعودي عليها أن تبدأ في الانتقال من التركيز على الاستثمارات واضحة المعالم كالعقار والإنشاءات (كما في الطفرة الأولى) إلى قطاع الابتكار واستغلال الفرص غير الملتفت إليها من خلال قراءة واعية للمتغيرات الاقتصادية ودراسة جيدة للفرص المطروحة وبالأخص المتماشية مع رؤية 2030.

وباختصار أشد، على السعوديين أن يشمروا عن سواعدهم؛ فالطفرة الحالية تحتاج إلى اقتناص الفرص الذكية وغير التقليدية، وتحتاج إلى من يستغلها بأسرع وقت ممكن.

@FarisKMadi