صهيب الصالح

لبنان بقدم واحدة وعقدة تاريخ مزدوجة

السبت - 28 مايو 2022

Sat - 28 May 2022

لم يبتكر الإنسان فكرة تداول السلطة من خلال العملية الانتخابية ليبقي قدميه في نفس الدائرة التي تدور في مكانها؛ لتصد كل دعوات المتضررين من الشعوب إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فحينما تجري انتخابات هنا وهناك ويتحرك الناس بحماسة وتلهف صوب الصناديق، فهم يتدافعون إلى اكتشاف من يخلصهم من الإنهاك والوجع القاهر وتعطيل الدولة واختطافها اسما ومؤسسات ونفوذا، بل واختطاف ليس رفاهية الحياة من أيدي شعبها وحسب وإنما قوتهم اليومي أيضا، كما هي الحال في لبنان.

لبنان هذه البلدة الناعمة الصغيرة التي تتخللها حضارة أصيلة وثقافة عريقة والأسبقية في مقاومة اقتصادها للعواصف السياسية، وصاحبة السبق كذلك في التجربة الانتخابية بين قريناتها من دول الشرق الأوسط، لكن كل هذا الرصيد لا يعني شيئا إذا ما كان دافعا حقيقيا للطبقة السياسية في أشغالها وعلاقاتها وملفاتها، ولضمائر الناخبين في معاقبة مختطفي الدولة وإقصائهم من المشهد، بعدما وصلوا إليه بالفذلكة الخطابية والتسلط الإجرائي، وبالانقلاب الناعم على آليات الديمقراطية من خلال تفشي السلاح غير الرسمي، الذي يستخدم محليا لإقناع الناخبين وإقليميا للقتل والتفاوض وتمرير أشكال المحظورات في القانون الدولي.

وحتى اليوم، وربما حتى غدا، لن تنفك مكائن الإعلام من التغني بما تناديه خسائر حزب الله الإرهابي في الانتخابات النيابية، لكن هذا الحزب الإرهابي سيجد نفوذا آخر غير عدد المقاعد في البرلمان، سيجد ربما زيادة في الحضور داخل الحكومة نفسها من خلال امتداداته عبر فرق السلطة اللبنانية، وليس فريقها الواحد، لتمنحه التأثير الذي يرغبه على الرأي والصوت الحكومي ويستمر في تدوير آلة تعطيل الدولة واختطافها، بذلك يجدر القول بأن لبنان عقب هذه الانتخابات استطاعت التحرك نحو بوابة الخروج من حزب الله الإرهابي؛ لكنها راهنا تقف مرتبكة بقدم واحدة على عتبتها ولم تخرج بعد.

إن الوضع الطبيعي أن يفاخر الإنسان قولا وسلوكا بالتقدم الاقتصادي والحضاري والثقافي، لكون هذا التقدم يمنحه موقع الوقار المجتمعي ومسؤولية المحافظة عليه وتنميته أكثر فأكثر وإثارة المحيطين به للحذو حذوه، ومن يراقب الإنسان الخليجي الآن تتأصل لديه هذه القناعة بيسر، لكن ما يحدث في لبنان هو على العكس من ذلك تماما، ففي لبنان تحول الزهو الاقتصادي والثقافي إلى سردية مؤرشفة في توابيت التاريخ فقط، لكن الإنسان اللبناني المتواجد في الضوء السياسي والإعلامي إما إنه لم يتنبه بعد وظل يطوف حول تلك التوابيت مستغيثا، أو إنه لا يريد الاعتراف بهذا الواقع رهابا من إعطاء الخليجي مكانته المستحقة، لذلك يخرج من لبنان بين حين وآخر من تحركه هذه الحالة ليقول أو ينتهج سلوكا يؤكد حقيقة عقدة التاريخ التي ركّبت التخلف الاقتصادي-الثقافي لدى هذه الفئة، والعهدة على من أفرزها أمام الملأ مثل جورج قرداحي وشربل وهبة وجبران باسيل، والقائمة ربما ستطول أكثر، بعدما كانت لبنان تنتج أمثال جان عبيد وجوزيف حرب وسعيد عقل.

وإذا ما أرادت لبنان حقا عدم تفويت الفرصة بعد انتهاء هذه المناسبة الانتخابية، يلزمها النهوض ذهنيا من مراقد التاريخ كخطوة أولى، ثم غربلة الأرض من تحت أقدام الوسط السياسي المترهل والمأزوم؛ للعودة إلى الدولة كمرجعية واحدة للقرار السياسي بصرف النظر عن أحجام الكتل والتمثيل النيابي، وانتهاج الهرولة سريعا نحو تبني حاكمية سليمة محليا وخارجيا تجاه دول الجوار ودول الخليج على وجه الخصوص، بغية الوصول إلى نادي الدول الحديثة الجامعة والمستقلة، والبديل عن هذا الخيار هو البقاء في دائرة عدم الاستقرار ذاتها.

@9oba_91