ياسر عمر سندي

المئوية صعبة قوية

الأربعاء - 25 مايو 2022

Wed - 25 May 2022

في مجال الأعمال بأوطاننا العربية، هنالك ثقافة تغلغلت في ثنايا العقول التنظيمية، وهي القيام باستبعاد من يمتلكون الخبرات، ومحاولة طمس وتشويه المعرفة المختزلة لديهم، بصياغة قوانين تعسفية من بعض إدارات الموارد البشرية غير الاحترافية، والذين يتولون زمام أمرها من غير المتخصصين، والمرتزقة الإداريين، باستخدام أساليب تطفيشية؛ لدفع الموظفين إلى الخروج، وإجبارهم على التقاعد، والاستقالات أحيانا، قبل وصولهم إلى العمر النظامي بذريعة واهية، وهشة، ببث إشاعات أنهم أصبحوا عقبات تثقل كاهل المنظمات.

الموارد البشرية رعاية، والموظفون فكر ومنهجية عمل ينبثق مفهومها من علم السلوك التنظيمي؛ الذي يهتم أساسا بدراسة السلوكيات، وردود أفعال الموظفين الفردية والجمعية داخل المنظمات، ويهتم العلم بكيفية تحقيق الولاء والانتماء المؤسسي والارتباط التنظيمي للموظف مع الوظيفة والمنظمة، بتحديد المسارات المهنية وتطوير الموظفين والبحث عن المعرفة الكامنة لديهم وكيفية استثمارها، وتحقيق الاستفادة القصوى من مبدأ الاستخلاف، والتعاقب الوظيفي بين من هم على رأس العمل ومن يتم تعيينهم؛ لتقليص ما يسمى بالفجوة المعرفية؛ تلافيا لحدوث الخلل، والإخفاق الإداري من الرؤساء والمرؤوسين، وملاحظة من يتقن أداء العمل ممن يتعلمه.

في الدول الغربية يقدرون تلك الكفاءات الكلاسيكية، ويركزون على الخبرات الإدارية، ومن يمتلك المهارات المعرفية؛ الذي يعتبرونه كنزا مرجعيا للتعامل المستقبلي؛ فيتحول صاحب الخبرة في شركة ما إلى مدرب محترف في مجاله، وآخر يصل إلى مناصب حكومية رفيعة؛ ليتم التعامل معه كمستشار تنظيميي وإداري، وآخر يتحول إلى محاضر في إحدى الجامعات، وبعضهم يتفرغون لكتابة مذكراتهم، وسيرهم الذاتية ونشر كتبهم، يرجع ذلك بسبب الإيمان لما لديهم من قدرات، وإمكانات، وبأن أداءهم مستمر وعطاءهم المعرفي لا ينضب.

«هازل مكاليون» سيدة تبلغ من العمر حاليا «101» عام؛ هي مديرة لأكبر مطار في تورنتو بكندا؛ تم مؤخرا تمديد عقدها ليستمر إلى 3 سنوات؛ تقلدت عدة مناصب سياسية، وإدارية؛ كان آخرها عمدة مدينة ميسيساجا سادس أكبر مدينة كندية؛ سجلها المهني حافل بالإنجازات؛ مثل مستشارة لرئيس وزراء أونتاريو؛ ثم منصب مستشارة خاصة لدى جامعة تورونتو؛ بالإضافة إلى العديد من الأنشطة المجتمعية الفاعلة، التي تم وضع اسمها عليها؛ تكريما لها ولتاريخها المهني الحافل.

قال تعالى في محكم تنزيله «فاسأل به خبيرا» الآية 59 سورة الفرقان. أي من يمتلك الخبرة والمعرفة ليدلك من خلال واقعه التطبيقي لا التنظيري.

هازل؛ تمتلك خبرة أكثر من ثلاثة أجيال؛ استطاعت ترجمتها لقصص ملهمة؛ يستفاد منها في مختلف الدوائر، والهيئات التي عملت بها؛ والتي تجسدت واقعا عمليا لمحاكاة أفضل التجارب التطبيقية.

كم نمتلك نحن في عالمنا العربي أمثال «هازل» من الرجال والسيدات؛ بمختلف المجالات وفي معظم الصناعات التي تحتاجها أوطاننا ومجتمعاتنا؛ والذين تم الحكم عليهم بالتعطل القهري في عمر عطائهم المهني، والمعرفي حتى أصبحوا هشيما تذروه الرياح.

سؤالي.. هل هازل كانت متميزة أم أن أولئك الذين تميزوا تنظيميا في رعايتها واستثمارها واستبقائها إلى هذا العمر؟

@Yos123Omar