عبدالله الجنيد

فداوية

الاثنين - 15 أغسطس 2016

Mon - 15 Aug 2016

ومفردها «فداوي» أي من يفدي بحياته سيده أو السلطة التي يمثلها ذلك السيد أو شيخ القبيلة والدولة لاحقا. إلا أن ملامح تلك الثقافة لا تزال غائرة حد العظم في الكثير من فواصل حياتنا حتى الآن. فقبل تشكل الدول كان للفداوي دور مهم من حفظ الأمن إلى الدفاع عن حياض الأرض (الوطن القبيلة أو الإمارة). ورحاب الرأي المكتوب اليوم بفضل الإعلام الاجتماعي وانتقاله من الحيز الطفيلي إلى الحيوي المؤثر أنتج فداوية من نوع جديد، فهي لا تكل ولا تمل في البحث عن قبيلة سياسية أو مصلحية حزبية لينتمي إليها بدل الانتماء للوطن. وهؤلاء فداوية رحل لا يملون البحث عن الكلأ بتعريفاته الحديثة.



اليوم بعض محطات السياسة العربية هي أكبر مضارب الإعلاميين الفداوية ولنستشهد بقضيتين. الأولى مقال مجلة الإيكونوميست الأخير حول مصر، أما الثانية فهي اللغط الذي دار حول ظهور د. أنور عشقي على شاشة إحدى قنوات التليفزيون الإسرائيلية.



ففي الأولى اتجه الإعلام التقليدي المصري إلى تسويق التقرير على أنه جزء من المؤامرة الخارجية وكفى دون أن يكلف نفسه الحد الأدنى من التطرق الموضوعي لتقرير الإيكونوميست. في حين أن ذلك الإعلام كان يتجاهل ولفترة طويلة أقلاما مصرية لا يمكن التشكيك في وطنيتها عربيا وعالميا. وعندما تعاطت هذه الأقلام بموضوعية مع التقرير كان إعلام الفداوية منشغلا بمطاردة ذيله لا محاولا فتح صفحة جديدة.



أما فيما يتعلق بظهور الدكتور عشقي على قناة تلفزيون إسرائيلية ، فقد تناسى الجميع بيان الخارجية السعودية السابق بأن الدكتور واثنين آخرين لا يمثلون أي موقف رسمي. إلا أن الفداوية خدموا من «صنع» الحدث سياسيا بما لم يحلم به، فكان مردود استثماره القصير مبهرا بفضل الفداوية. وهنا أنا لا أدافع عن الدكتور عشقي أو أجرمه. لكن لو راجع من انتقد الدكتور عشقي فسوف يجد أن الفداوية قد فرضوا على المملكة العربية السعودية إصدار بيان توضيحي غير رسمي في صيغة مقال. فالدكتور عشقي باحث في الشأن السياسي عليه تحمل مشقة التعامل مع نرجسية الفداوية حتى وإن تناسى الجميع أن المملكة العربية السعودية هي صاحبة مبادرة السلام الوحيدة منذ قمة بيروت 2002. وقبل ذلك إبان غزو الكويت كانت شاشة قناة «CNN» تزخر بحوارات فضائية بين المرحوم د. غازي القصيبي وضيوف القناة من حول العالم بمن فيهم من تل أبيب.



ففي أول ظهور حبس جميعنا أنفاسه متسائلا «هل سيفوت الإسرائيليون الفرصة في توجيه سؤال مباشر للوزير القصيبي! وإن حدث فهل سيجيب د. غازي على السؤال». رحمة الله على ذلك الإنسان الشهم، فقد كان دبلوماسيا من طراز آخر ومفكرا بشكل آخر وسعوديا من المستقبل. موقف السعودية رسميا من إسرائيل واضح لا يحتاج إلى إعادة توضيح، لكن ربما كان توظيف الظرف «الزمني» للحدث هو الذي ألزمها ذلك لكن بعض الفداوية خدم موقف خصوم بلدهم.



نحن أمام مشاهد عالية التعقيد في ظل غياب المؤسسات الوطنية المستقلة (غير حكومية) القادرة على طرح رؤى ومواقف ناضجة تمتلك حق المساءلة والسؤال. لذلك سوف يظل «سوق» الاجتهاد الفردي أوسع مساحات الجدل والاستقطاب أو توظيفه في الإقصاء بفضل الفداوية. وهؤلاء هم أسرع من يشهر الأقلام سيوفا إما بإيعاز أو لركوب موجة هبوب تويترية. يتميزون بسرعة شد الرحال، وما إن يفرغوا من أمر حتى يشدوا رواحلهم لمضارب أخرى في فيافي الرأي في قنص لموقف يعملون فيه ريش أقلامهم المشحوذة.



ساحة ومساحة الرأي المتناولة للشأن العربي في فضاءات الإعلام السعودي اليوم نابعة من كونها هي الآن قائد الموقف العربي شاء من شاء أو أبى، لذلك هي حاضرة الرأي ومقصد كل صاحب قلم أو سيف. وحتى كاتب هذه السطور عندما تنكرت له صحف بلاده احتضنته الصحافة السعودية لأنها تقبل الحديث في «السياسة» حتى وإن كان صاحب الرأي ضيفا، وحيث لا يعتبر ذلك من واجبات الضيافة.



على الإعلام بكل أفرعه تلمس دورة الحقيقي في كونه السلطة الرابعة والبناء على تجاربه الناجحة. فبالرغم من حاجتنا الملحة في التعبير عن قضايانا الحيوية إلا أنه مطالب كذلك بتوخي الموضوعية والحيادية. وإن كان هناك مثال على قدرة الإعلام في التعبير عن ذلك فإن برنامج «نشرة الرابعة - العربية» من تقديم المبدع خالد مدخلى هو سنام تلك البرامج في موضوعيته النوعية والفريدة. وأرجو تبني استراتيجيتنا الإعلامية انطلاقا من روح ذلك البرنامج.



[email protected]