باسل النيرب

المواقع الهزلية.. شر البلية ما يضحك

الأربعاء - 18 مايو 2022

Wed - 18 May 2022

عندما كتب الشاعر البريطاني جورج غوردون (Georg Gorden) قصيدة (Childe Haold) التي يصف فيها تجربته وألمه ومعاناته، وفرحه رغم ذلك، شبّه نفسه بالمصارع الروماني الذي يتألم ويتعذب في القتال، لكنه يبقى فرحا بمجابهة الموت، وفرحا بصراخ المحتفلين بقوته، وقياسا على هذا الواقع ما تقوم به المواقع الهزلية في نشر الأخبار الساخرة والتي وصفها مرصد «فيرست درافت» أنها أخبار غير مؤذية ولا تسبب الإهانة، إلا أنها تستخدم المعلومات غير الواقعية لصنع الدعابة، كما تقوم بتسخيف القضايا وتسليط الضوء عليها من خلال اختلاق قصص إخبارية لاذعة.

هذا النوع من الأخبار لا يحمل نية التسبب في الضرر إلا أنه يضلل الرأي العام وهنا الكارثة الحقيقية، وأقرب مثال في الأيام الماضية «ابتسامة تمثال أبوالهول» مهما كان من نشر الخبر ومن تحدث حوله من خبراء التصوير والآثار أين عقل من روج الخبر وتناقله على أنه خبر حقيقي؟

فلو سئل نفسه سؤالا واحدا فقط منطقيا.. منذ متى والأحجار تغمض عينها؟ لفند الفكرة قبل أن تكون «ترندا عالميا» أم أن الزمان عاد لتقديس الحجارة الصماء؟!!

مشكلة هذا النوع من المواد أنها تُنتج بشكل ساخر، وتستقي محتواها من شبكات التواصل الاجتماعي وتخاطب الشباب بشكل خاص، والفريق القائم عليها يحتاج إلى مهارات عالية أهمها أن يكون فريقا مبتكرا وقادرا على صياغة قصص خيالية مؤثرة، وكلما كان تصميم الموقع الهزلي محترفا كان مؤثرا أكثر.

إحصائيا وبشكل تقديري يبلغ عدد المواقع الهزلية 46 موقعا عربيا وعالميا، ومع هذا الانتشار لها هل يمكن التمييز ما بين الأخبار الساخرة والأخبار الكاذبة؟

من حيث الدوافع تُستخدم السخرية للإشارة إلى أخبار حقيقية سواء كانت اجتماعية أو سياسية؛ بينما تعمل الأخبار الكاذبة تحت ستار الإعلام ذي المصداقية العالية لإقناعك بالكذب لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية والأصل ألا تعرف أنها أخبار كاذبة على عكس الأخبار

الهزلية التي تعرف أنها أخبار هزلية.

من حيث الدقة كل من الأخبار الكاذبة والأخبار الساخرة غير صحيحة، لكن الاختلاف الرئيس يكمن في النية؛ فيتم إنشاء الأخبار المزيفة بنية متعمدة للتضليل وتكون بطبيعتها مخادعة، بينما تعتمد الأخبار الساخرة على قصص غير صحيحة من الناحية الواقعية، وتهدف إلى السخرية

والحديث عن الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعند البعض السخرية شكل من أشكال «الأخبار المعارضة».

وبناء على ذلك هل يمكن لمختلف أنواع الجمهور التمييز بين الأخبار الساخرة والأخبار الكاذبة؟.. الحقيقة الأقرب للدقة لا، والأسوأ من ذلك أنهم ينظرون إلى السخرية على أنها حقائق، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وختاما؛ صحيح أن الأخبار الساخرة تسلينا، ولكن في ذات الوقت تخبرنا بالمشكلات التي يجب أن نتعامل معها، ومشكلة هذا النوع من الأخبار أن الكثير من المتلقين لا يفهمون أنها ساخرة، ويستقبلون المعلومات الواردة كأنها حقيقة؛ لذا صنّفتها المراصد العالمية للتحقق من الأخبار على أنها

نوع من أنواع التضليل كونها تضلل الرأي العام، كما أشارت منظمة اليونسكو أن الجمهور وبسبب تعرضهم للكثير من المعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قد يتولد لديهم الارتباك عند قراءة مثل هذه الأخبار، فلا يميزون بين ما هو ساخر وما هو جاد، ومع ذلك تبقى الأخبار

الهزلية وسيلة لزيادة وعي الجمهور بالوضع الحالي للأمور وتحديد وجهات نظرهم باستخدام الفكاهة والسخرية، ومواجهة الواقع.

b_nerab@