سالم الكتبي

«داعش» وخطر التجاهل الدولي

الأربعاء - 18 مايو 2022

Wed - 18 May 2022

لم يكن الظهور الجديد/ القديم لتنظيم «داعش» الإرهابي في محافظة شمال سيناء المصرية، مفاجئا لمتابعي حراك التنظيمات الإرهابية وتطور هذه الظاهرة في التاريخ المعاصر، فهذه التنظيمات تمتلك القدرة على التحور والاختباء والاختفاء ثم معاودة الظهور، وممارسة أنماط سلوكية من المد والجزر وفق حسابات تعتمد على عوامل عديدة، بعضها يرتبط بالتطور الفكري والتنظيمي لهذه الجماعات والتنظيمات، فيما يرتبط بعضها الآخر بالبيئة الأمنية المحيطة وقدرة عناصر هذه التنظيمات على اختراقها والظهور مجددا على مسارح الأحداث في مناطق مختلفة.

الحقيقة إن تنظيم «داعش» لم يختف نهائيا منذ سقوط دولته المزعومة في العراق وسوريا، وهزيمة التنظيم عسكريا لم تكن أبدا إعلانا رسميا عن نهايته، او انتهاء خطره، فالكل يعرف أن المعركة ضد الإرهاب ليست معركة تقليدية، وليست ضد جيش نمطي يتفكك أو ينهار بمجرد هزيمته

عسكريا أو إعلان استسلامه، فالتنظيمات الإرهابية لها أيديولوجية مغايرة ودوافع مختلفة تماما.

بلا شك فإنه مهما كان ضعف «داعش» أو «القاعدة»، فإن العوامل التي تغذي ظهور هذه التنظيمات أو حفاظها على تماسكها - ولو بحده الأدني- لا تزال قائمة في مناطق عدة من العالم، خصوصا في سوريا وليبيا، وبالتالي ليس من المتوقع انتهاء الظاهرة في المدى الزمني القريب، حيث

ندرك أن وجود بؤر للتنظيم في منطقة ما يشجع على وجود/ أو استمرار بؤر مماثلة في مناطق أخرى.

هناك مناطق تعاني فراغا أمنيا وغيابا للدولة والسيادة الوطنية، وهناك صراعات لا تزال دائرة، وهناك انقسامات مذهبية في دول، وهناك حكومات فاشلة في دول أخرى، ومنذ فترة نتابع جميعا انتشار تنظيم «داعش» في بعض دول القارة الأفريقية، حيث انتقل التنظيم إلى منطقة الساحل في

مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وهناك تأكيدات من المسؤولين والخبراء على أن التنظيم ينمو وينشر نفوذه بسرعة في تلك المناطق، حيث تشير تقديرات إحصائية متخصصة إلى أن 48% من ضحايا الإرهاب العالمي في عام 2021 قد سقطوا في أفريقيا جنوب الصحراء، ولكن -كالعادة-

تتسبب صراعات النفوذ بين القوى الدولية الكبرى في منح التنظيم هوامش حركة كبيرة يستغلها في بسط النفوذ وتوسيع دوائر نشاطه وتجنيد المزيد من الأتباع!

تجربة «القاعدة» ليست نموذجا للحكم على تطور «داعش»، فالأول قد انتهى حركيا وتنظيميا، منذ مقتل أسامة بن لادن، وإن ظل وجوده محصورا في النقاشات الفكرية، بينما ظل الثاني باقيا -رغم انحسار النفوذ والأدوار-، على المستويين الحركي والفكري، وذلك بحكم اختلاف التنظيمين

في أوجه عديدة أهمها طغيان بريق «داعش» كفكرة تم تنفيذها على أرض الواقع، عن الوهج القاعدي الذي ارتبط أساسا بشخصية أسامة بن لادن وانتهى بانتهائه ومقتله.

الثابت الآن من خلال معظم الأدبيات السياسية المتخصصة أن أفريقيا باتت مرشحة لتكون ضحية جديدة لتنظيم «داعش» الإرهابي، وهذا لا ينفي خطر التنظيم في سوريا (تشير التقديرات إلى وجود مابين 6 - 10 آلاف عنصر إرهابي في المناطق الريفية والصحراوية التي يصعب السيطرة

عليها حاليا) وأفغانستان وغيرهما، ولكنه يعيد التموضع والتشكل بشكل هائل في مناطق أفريقية عدة، وقد بحث وزراء خارجية 84 دولة من الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في مدينة مراكش المغربية هذا الموضوع، ولكن المطلوب هو إيقاظ المجتمع الدولي مجددا

للانتباه إلى خطر تجاهل «داعش» والانشغال بقضايا أخرى لا يمكن التهوين من أهميتها وتأثيراتها ولكن من الضروري الإبقاء على الأولويات كافة على مائدة النقاش الدولي.

الحقيقة أن تقديرات الأعداد التي يتم تداولها حول وجود تنظيم «داعش» في دول ومناطق جغرافية مختلفة، تبدو مثيرة للقلق، ليس لضخامة هذه الأعداد فقط، ولكن للوحشية غير المسبوقة لدى عناصر هذا التنظيم، لذلك فإن إدراج خطر الإرهاب مجددا في صدارة العمل الجماعي الدولي

يبدو مسألة مهمة للغاية وتستحق أن تبقى أولوية مركزية للجميع.

drsalemalketbi@