صفاء خالد سوسق

توظيف خصائص اللغة العربية لتعليم العربية للناطقين بغيرها

الأحد - 15 مايو 2022

Sun - 15 May 2022

ظهرت ضرورة تعلم لغات الأمم والشعوب الأخرى منذ نشوء التجمعات البشرية، وتجاورها ونشوء العلاقات بينها. من هنا يمكن أن نبدأ حديثنا عن خصائص اللغة العربية وتوظيفها لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، لتلبية حاجة التواصل بيننا وبين الشعوب الأخرى.

تعود الجذور الأولى لتعليم العربية للناطقين بغيرها إلى ما قبل الإسلام، إذ إن العرب قد اتصلوا بغيرهم، وكثيرا ما نجد في كتب التاريخ وكتب التراث إشارات إلى أن بعض العرب كانوا يعرفون لغات غير عربية، وأن بعض أفراد الشعوب الأخرى كانوا يعرفون اللغة العربية، إلا أن ذلك لم يكن على نطاق واسع، ولم تكن له معالم واضحة.

وبعد ظهور الإسلام وانتشاره بين الشعوب، انطلقت عملية تعليم اللغة العربية لهذه الشعوب لأنها لغة دينهم الجديد ولأنه لغة القرآن الكريم والفرائض، حتى أجادها كثير من الأعاجم إجادة تامة، وكتب بها واستخدمها في نتاجه الأدبي، بل وكان كثير من علماء العربية -كسيبويه وابن خالدويه- من غير العرب، ويمكن وصف كتب التراث الأولى من هذه الناحية بأنها مناهج لتعليم اللغة العربية لغير العرب، لكن ليست لها قوانين محددة، بل لكل شيخ طريقته ومريدوه.

أما في العصر الحديث، وإلى زمن قريب، كانت اللغة العربية تدرس خارج البلاد العربية، خاصة في أوروبا، على أنها لغة تراث وحسب، وكان تدريسها محصورا في الجامعات الكلاسيكية، التي تقدم لطلابها مناهج العربية الكلاسيكية على أنها مفتاح للولوج إلى دراسة التراث العربي.

ومع تقدم الوقت ازداد اهتمام العالم بتعلم اللغة العربية، خاصة بعد الانفجار الاقتصادي الذي حصل في البلاد العربية، فافتتحت أغلب الجامعات أقساما لتعليم اللغة العربية وانتشرت معاهد خاصة لذلك، واتسع نطاق الاهتمام بتعلم العربية ليشمل السياسة والاقتصاد والنواحي العلمية الأكاديمية والاجتماعية، علاوة على الأهداف الدينية والتعبدية.

أما اليوم، فقد بدأ العرب أنفسهم بنشر لغتهم، مما أحوجهم إلى الاستفادة من العلوم اللغوية الحديثة، ومن الفلسفات التربوية النفسية، لتسهيل تعلم العربية لغير الناطقين بها.

لكل لغة خصوصيتها، وهي تعبر عن طريقة تفكير أصحابها، من هنا نجد فروقا كبيرة بين تعليم اللغة العربية لأبنائها وبين تعليمها لغير أبنائها، فالطفل العربي لا يحتاج أن نعلمه أصوات الأحرف العربية، فقد اكتسبها من طفولته لأنها أصوات لغته الأم، أما بالنسبة للمتعلم الأجنبي فهي أصوات جديدة قد يكون بعضها مشتركا مع أصوات لغته، وقد لا يكون، فهو بحاجة إلى تدريبات على نطق هذه الأصوات. كما أن الطفل العربي ليس بحاجة لتعلم المفردات، خاصة المشتركة بين العامية والفصحى، أما بالنسبة للطالب الأجنبي، فإن هذه الكلمات جديدة في لفظها ومعناها بالنسبة له. ومن ناحية التراكيب اللغوية، اعتاد الطفل العربي أن يتكلم العربية بلهجته المحلية، التي لا تبتعد كثيرا من حيث التراكيب اللغوية عن تراكيب الفصيحة، فهو يستعمل جملة يبدؤها بفعل ثم فاعل ثم يضيف عليها صفة أو شبه جملة، كما هو الحال في اللغة التي يتعلمها في المدرسة، أما الطالب الأجنبي، فقد لا يكون هذا الترتيب والنظام في لغته، فإننا نجد بعض اللغات الأجنبية يكون الفعل فيها في آخر الجملة، وبعض اللغات لا تستعمل الأفعال، بل المصادر.

وهكذا نجد أنه من الضروري توظيف خصائص اللغة العربية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

- الخاصية الاشتقاقية: تتميز اللغة العربية بخاصية الاشتقاق، حيث إن الجذر الواحد يعطي عدة مشتقات، كاسم الفاعل واسم المفعول، فهذه الخاصية تلعب دورا إيجابيا في تعليم اللغة العربية، لأنها مرتبطة بعملية تذكر الطالب الأجنبي للمفردات ذات الأصل الواحد وعلى المعلم أن يستفيد من هذه الخاصية ويستغلها استغلالا كاملا.

- الخاصية القياسية: وهي من أهم خواص اللغة العربية التي تثير دهشة المتعلمين وإعجابهم، لأنها تساعدهم على القياس، فالطالب بعد أن يعرف آلية صوغ اسم الفاعل من الفعل الثلاثي مثلا، تتكون لديه القدرة على استخراج أسماء الفاعل من كل فعل يدرسه، وهذا يزيد من حصيلته اللغوية وعدد المفردات التي لا يحتاج في تعلمها لاستخدام المعاجم، فهو يستطيع أن يدرك معناها من الصيغة التي بنيت عليها، بعد أن تصبح آلية في ذهنه.

- الخاصية الإعرابية: إن نظرنا إلى هذه الخاصية بمنظار الطالب الأجنبي، أمكننا القول بأن هذه الظاهرة على أهميتها للمتعلم في التفريق بين معاني مفردات الجملة الواحدة والوظائف التي تقدمها كل مفردة -من فعل وفاعل- إلا أن تشعب وتنوع الحركات والعلامات لا يعطي المتعلم سهولة، خاصة حين يقف هذا المتعلم أمام الاستثناءات الإعرابية، مثلا: أنا لم أذهبْ، لا أذهبُ، لن أذهبَ.

أسس اشتقاق المحتوى ومعايير اختياره يتوقف تحديد مصادر المفردات الأساسية بشكل عام على الأهداف التعليمية الخاصة والعامة، وقد بذلت جهود كثيرة بحصر المفردات الأساسية في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها (الألف، الكلمة الأولى والثانية والثالثة... وهكذا).

- المفردات: من معايير اختيار المفردات المناسبة أن تتماشى مع الأهداف التربوية المطلوبة، وأن تنطلق من السهولة إلى الصعوبة، من حيث طول الكلمة، وتكرارها، والتشابه والاختلاف في أصوات الكلمات، وتقديم المفرد على الجمع، والأصلي على الفرعي (كتبَ قبل كاتب)، وتقديم المعلوم على المجهول (كَتَبَ قبل كُتِبَ)، وتقديم الحالة العامة على الحالة الخاصة (القاضي قبل قاضٍ)، وتقديم الحقيقي على المجازي (بحر حقيقي قبل بحر في الكرم).

- التراكيب اللغوية (الأنماط اللغوية): أنماط التراكيب اللغوية العربية تذخر بها كتب النحو (كفعل وفاعل هذا نمط، مبتدأ وخبر هذا نمط)، لكن المشكلة في تحديد الأنماط المناسبة واختيارها وتنظيمها، ومن معايير السهولة والصعوبة في الجمل: طول الجملة، وعدد متعلقاتها (عدد المفردات المتعلقة بها)، ونوع الجملة، أو تركيبها (جملة اسمية، أو جملة فعلية)، والتقديم والتأخير في الجملة، وتباعد مكونات الجملة، فالجملة الاسمية قد تعترضها جملة اعتراضية ثم يأتي الخبر مثلا، إضافة إلى البساطة الفكرية للجملة المرتبطة بالمعلم.

وعلى المعلم أن يأخذ في اعتباره عند اختيار المفردات والتراكيب: أن تحقق الأهداف التعليمية نحو المهارات اللغوية، وأن تكون متدرجة ودقيقة، وأن تكون متماشية مع العناصر اللغوية من جهة، ومع المحتوى الحضاري من جهة أخرى، وألا يخلط بينها وبين التقييم، وأن تحقق هذه التدريبات النشاط والفاعلية المطلوبين في العملية التعليمية التعلمية.

طرائق لتدريس اللغات الأجنبية، يمكن الاستفادة منها لتعليم العربية للناطقين بغيرها:

- طريقة النحو والترجمة: وهي أقدم الطرق، تعتمد على الملكات العقلية لدى المتعلم، ويجب أن تكون لديه ملكات عالية لفهم قواعد النحو، وتركز على تحفيظ الطالب مقاطع من اللغة المتعلمة من الأدب الراقي (خطبة، نص أدبي رفيع، نص تاريخي) كما تركز على تعليم القواعد، وحفظ تصريف الأفعال، وحفظ الحالات الشاذة بهذه القواعد، وقواعد الإملاء وترجمة نصوص دقيقة، وهنا ينحصر دور المدرس في شرح قواعد اللغة وتحفيظ المفردات ومعانيها. وهذا الاتجاه بدأه المستشرقون، فكانوا يهتمون بالنصوص القديمة وحفظ مقاطع منها.

- الطريقة المباشرة: وتكون كما يتعلم الطفل العربي لغته الأم، وتركز هذه الطريقة على إيصال المتعلم إلى مرحلة التفكير باللغة الهدف (المتعلَّمة)، دون حاجة إلى ترجمة، ويمكن أن يتم ذلك بتعلم اللغة في مواقف محسوسة لها معنى، ودون حاجة إلى ترجمة، حيث يبدأ المعلم بتعليم طلابه المفردات المحسوسة الموجودة في غرفة الصف وداخل المدرسة، وينتقل معه بالتدرج إلى البيئة الأقرب إلى حياة المتعلم في السوق والمطعم، ويركز المعلم على النطق السليم لدى المتعلم وعلى المفردات المحسوسة، ويشرحها بهذا الشكل.

- طريقة القراءة: وتعتمد على تنمية قدرات المتعلم في كل المهارات اللغوية (الاستماع، الحديث، الكتابة، القراءة) لكن التركيز يكون على مهارة القراءة التي يمكن أن تستمر مع المتعلم حتى بعد انتهاء مراحل دراسته، خاصة القراءة الصامتة.

في هذه الطريقة، توضع قوائم المفردات الأساسية، مع تضمين هذه المفردات في المادة التعليمية، بهدف إجراء درس لنطق الكلمات الجديدة، وفي الخطوة الثانية يقرأ الطالب النص قراءة صامتة بهدف الإجابة على أسئلة الاستيعاب، ثم يقرأ المدرس الدرس قراءة نموذجية، ثم يطلب من طلابه القراءة الجهرية أيضا، مع إمكانية أن يرافق الكتاب التعليمي كتابٌ خاص للتدريب على التعبير الشفوي.

- الطريقة السمعية الشفوية: تعتمد هذه الطريقة على الجانب الصوتي من اللغة، من فكرة أن اللغات جميعا أصلها نطقي وليس كتابيا، وأن قدرة المتعلم على إتقان قواعد اللغة واستخدامها بشكل صحيح لا تعتمد على حفظ القواعد، لكن على المتعلم أن يحاكي الأنماط اللغوية التي يستخدمها أهل هذه اللغة، كما يعرضها المعلم.

كما تعتمد هذه الطريقة على إجراء دراسات تقابلية بين اللغة الهدف (المتعلَّمة) ولغة الطالب الأم، وإجراء تحليل دقيق بهدف معرفة نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف بينهما.

وتركز هذه الطريقة أيضا على تثبيت التراكيب اللغوية الصحيحة للغة المتعلمة في ذهن المتعلم عن طريق تدريبه على هذه الأنماط وتكرارها بشكل آلي، دون حاجة إلى ترجمة.

- الطريقة التوافقية: وهي خليط من جميع الطرق السابقة، وتعتمد على ما يفرضه الموقف على المعلم، ومن حيث المهارة التي يركز عليها وطبيعة المعلم، من حيث المهارة التي يركز عليها وطبيعة المتعلم، وطبيعة المادة المتعلمة، والمستوى اللغوي الذي وصل إليه طلابه.

ولا بد لمعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها من أن تكون له طريقته الخاصة لتعليم طلابه، بحيث يختار الأفضل لهم، ويحدث طريقة عمله بحسب تطور مستوى طلابه، وتحسن أدائهم اللغوي وفهمهم للغة، ليحقق أكبر قدر من الاستفادة لطلابه في تعلم مهارات اللغة العربية، بما يحقق هدف الطالب من وراء تعلم اللغة العربية بالدرجة الأولى.

[email protected]