صالح عبدالله كامل

السلوكيات قبل الاقتصاديات

الاثنين - 15 أغسطس 2016

Mon - 15 Aug 2016

خلال متابعتي لنشرة الأخبار السعودية مساء يوم الاثنين الماضي..وما جاء بها من قرارات وتوصيات في جلسة مجلس الوزراء الموقر برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين، ولي العهد الأمين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، قررت التوقف عن استكمال ما بدأته في مقال يخص الشباب، فقد جاءت القرارات وكأن عين المسؤول وضمير المسؤولية اليقظ لم يغفلا عن ما كنت أرغب في كتابته، والذي كان يتمحور حول تهذيب وتقويم وتقييم تصرفات طائشة لدى بعض شبابنا في الخارج والتي جاءت استكمالا لما يمارسونه في الداخل، ومرة أخرى حين أقول «بعض» فأنا أقصد عدم التعميم، مؤكدا على أن الغالبية من أبنائنا تمارس الالتزام وترعى القيم والتقاليد، لأنها تعودت على هذا من خلال البيئة الصالحة والأسرة الناجحة التي تعلم أن أولادها هم عنوان لها كما هم عنوان للوطن كله.



فكانت القرارات الحصيفة والحكيمة شاملة لما نحتاج إليه من تعديلات وإضافات تستهدف السلوكيات قبل الاقتصاديات، وهذا دليل جديد على أن رؤية المملكة العربية السعودية التي باركها الملك الحكيم، القائد الكريم، خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، وسدد على الخير خطاه، هي خطة تحول حقيقي للإنسان السعودي، حياة وممارسة، ليصبح عبرها العنصر الأكثر فعالية والنجم الأكثر بريقا في أفق هذه الرؤية، التي أوعزت إلى ولي العهد وولي ولي العهد، حفظهما الله، بكل هذه الاهتمامات، وأضاءت لهما كل هذه الطرقات، لينطلقا نحو بلوغها في زمن كان يتطلب عند الآخرين أزمانا طويلة، وكم نحمد الله هنا في مملكتنا الحبيبة أن قيّض لها هذه القيادة الرشيدة التي لا يخلو أي قرار لها من جانب إنساني أو تربوي أو وطني.. يهدف لمصلحة البلاد وصالح العباد.



فبعد موافقة مجلس الوزراء الموقر على اعتماد الحساب الختامي للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، هذه الهيئة التي انطلقت مواكبة لأهداف الرؤية الشاملة والتي أخذ نشاطها يمتد إلى كل أطراف المملكة معززا روح الانتماء ومُعمّقا جذور الأصالة.. والدليل ما نشاهده اليوم وفي هذا الصيف ومع هذه الإجازة الدراسية الطويلة من احتفالات ومهرجانات ثقافية وتجارية وتراثية.





كذلك تعديل ارتباط الصندوق السعودي للتنمية ليكون مرتبطا بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتحديد مدة عضوية رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس بثلاث سنوات، قابلة للتجديد «مرة واحدة»، وهذا التحديد في حد ذاته سيجعل من الرئيس والأعضاء جماعة تدرك قيمة الوقت وأهميته، بعدما كان بعض من رؤساء الصناديق يمضون العمر كله في مكانهم ومن دون تحديد أو محاسبة.





ثم جاءت القرارات المتعلقة بالشق الخاص بالتأشيرات ليمتزج فيها الحكمة والمسؤولية معا.. فالدولة، جزاها الله خيرا، ستتحمل قيمة تأشيرة الدخول عن القادمين في المرة الأولى - لأداء العمرة أو الحج -، ويتضح من هذا أن المسألة ليست مسألة جباية بقدر ما هي عناية ورعاية. فالمملكة تفتخر بدورها الذي تقوم به في تسهيل وتيسير سبل الحج لأداء الفريضة والمناسك دون أن تستغل هذا في تحصيل الأموال.





ولعل زيادة وتحديد رسوم تأشيرات الدخول على النحو الذي ورد في القرارات المتعلقة بهذا الشأن، يحدُّ بعض الشيء ممن يمارسون زيارة بلدنا بشكل دائم، بعضهم بقصد الاستعراض والمباهاة.. وفي هذا الشأن أتمنى أن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتسهيل على الراغبين في الحصول على التأشيرات من سفارات خادم الحرمين الشريفين في شتى بقاع العالم وفق ما ورد تحديده في هذا الشأن.. بعيدا عن أشكال البيروقراطيات التي قد يمارسها بعض العاملين في هذه السفارات، وخاصة أنهم البوابات الأولى المؤدية إلى ديارنا العزيزة والتي تحتل بين العالمين مكانا بارزا ومميزا.





أما التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء الموقر على نظام المرور، والمتعلقة بالتفحيط، والذي يُعد مخالفة مرورية يعاقب مرتكبها، فهي السبب المباشر في توقفي عن المقال الذي كنت أعدّه لهذا الأسبوع بسبب هذه الممارسة الخاطئة من بعض شبابنا.. فحجز المركبة، والتي عادة ما تكون فارهة وباهظة الثمن، في المرة الأولى خمسة عشر يوما، وغرامة مالية قدرها «عشرون ألف ريال» ومن ثم إحالة قائدها إلى المحكمة المختصة للنظر في تطبيق عقوبة السجن في حقه، والذي قد لا يُحكم به في المرة الأولى، وقد يُحكم به في الثانية إذا تكرر تفحيطه مع غرامة قدرها «أربعون ألف ريال» مع حجز المركبة لمدة شهر، وعند تكرار المفحّط لهذه المخالفة في المرة الثالثة تُحجز المركبة التي أعتقد أنها ستكون فارهة باهظة الثمن - دفع ثمنها أبوه أو والدته من مالهما الخاص، لأني لا أظن أن المفحّط قد دفع فيها ريالا واحدا وإلا لما خالف بها أصلا - مع غرامة ستين ألف ريال، ثم يحال إلى المحكمة المختصة للنظر في مصادرة السيارة، أو تغريمه بدفع قيمة المثل للمركبة المستأجرة - إذا لم تكن ملكا له - أو المسروقة، وسجنه - بالطبع -.





وكم أحسن القرار صنعا حين استثنى من عقوبة الحجز أو المصادرة المركبات المستأجرة أو المسروقة، حتى لا تزر وازرة وزر أخرى.. وحتى لا يتضرر أصحاب معارض وشركات تأجير السيارات، ولا يُتهم بريء سُرقت مركبته. هذا بالإضافة إلى قرارات أخرى في هذا المساء لجعل قائد المركبة أو حامل رخصة القيادة أو معارض بيع السيارات، يستشعرون المسؤولية، ويتجنبون العقاب، فالمثل يقول: من أمن العقوبة أساء الأدب. وأظن أن كثيرا من الأهالي سيعيدون النظر في مسألة تمليك أولادهم سيارات قد تكون سببا في إفلاسهم.. فمضاعفة العقوبة المرورية؛ ستكون باهظة جدا علاوة على سعر المركبات أصلا الغالية الثمن. وفي هذا إنذار لهم للحيطة والحذر. وكنت قد تحدثت وكتبت كثيرا عما يسببه الدلال الزائد من الأهل لأبنائهم.. ولكن لغياب مثل هذه القرارات الملزمة دور مباشر في عدم تجاوب كثير من الآباء، وربما يكون الدافع المادي أو الأخلاقي سببا في تعويد الابن على الالتزام بالنظام وعدم تجاوزه، لأن الأمر أصبح مكلفا جدا بعد اليوم. وسبحان من يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. أسأل الله صادقا مخلصا أن يمد خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى سلمان بن عبدالعزيز بكامل توفيقه وأن يُسبغ عليه موفور الصحة والعافية، وأن يسدد خطى ولي عهده الأمين وولي ولي العهد، رمز الحيوية والشباب، لما فيه خير الوطن والمواطن من أجل مملكة آمنة سعيدة مطمئنة، في ظل راية التوحيد العالية الغالية.. ولما فيه خير الأمة جمعاء.