سعود الشهري

التسمم المائي وقوم لا يفقهون

الأربعاء - 11 مايو 2022

Wed - 11 May 2022

تحدثنا قبل عدة أيام على برنامج الراصد على شاشة الإخبارية عن حالة طبية معروفة طبيا يطلق عليها التسمم المائي أو زيادة الإرواء أو فرط الإرواء Water Intoxication وسمتها بعض المراجع بـ «الموت بالماء» في تنويه مهم رأينا فيه الكثير جدا ممن نعرف خلال رمضان يجرع كميات كبيرة من الماء قبل أذان الفجر ببضع دقائق ظانا أن هذا التصرف صحيح وأنه سيدفع الظمأ عنه.

تفاجأنا بردود فعل تتراوح بين الغريبة مرورا بالعجيبة وصولا إلى السيئة! (المضحكة سأخبركم بها آخر المقال) والغريب جدا أن الردود جاءت من أطباء؛ لا يهمني المشهور هذاك اللي يبغى يتسلق أو نحوه؛ بس طبيب وما تعرف أن فيه حالة اسمها: تسمم مائي يا دكتور Water Intoxication ياخي اشفيك؟!

لن أتطرق لأي رد منها لسبب واحد هو أني لم أجد ردا علميا واحدا من «كم طبيب اللي تنادوا فتألبوا ثم هزمهم العلم وخار بهم ضعف اطلاعهم».. طبعا كانوا لا يتعدون أصابع اليد الواحدة بصراحة وكان يربطهم رابط أستحي أن أذكره.

في المقابل رد أحد أساتذتهم وهو أحد الاستشاريين الكبار في التخصص ذاته وهو بروفيسور جراحة الكلى والمناظير الحاصل على الزمالة الكندية وعضو الهيئة الملكية الكندية للجراحين؛ وكان رده مؤيدا لما أوردت.

هذه الحالة التي توصف طبيا بأنها نادرة ودائما ما تردف المراجع العلمية: «لكنها تحدث»، قالت ساينس دايركت في المجلد 35 العدد السادس: «كان ما يصل إلى 5% من مرضى العيادات الداخلية المزمنة قد تعرضوا إلى التسمم المائي».

دعونا ندخل في الموضوع والكلام العلمي الذي لا يعرفونه:

أولا: وفقا لـ CDC وغيرها من المنظمات والجامعات المعتبرة فإنه «لا يوجد» علميا خط واضح يحدد كم المقدار الأعلى للشرب والذي إن تعداه الشخص دخل في مشاكل صحية منها التسمم المائي، أما بالنسبة للحد الأدنى فإن NHS نصت على 1.2 لتر لليوم.

وهذا الأمر يدعمني ويضد من عارض؛ لأنه عند غياب القاعدة العلمية فالاستنتاج مطلوب؛ وأنا هنا استنتجت بطريقة منطقية مبنية على أسس علمية؛ فما ذنبي إن كان من يعارض «بس حفظ» كم صفحة حينما اختبر اختبار الإخصائيين قبل عشر عشرين سنة وبعدها لم يقرأ ولم يطلع؛

فحتما هو لا يستطيع الاستنباط العقلي أو حتى الفهم؛ فقط «متكبسل» على كتاب قبل 20 سنة صدر بعده ألف دراسة مغايرة؛ العلم يتغير ياخي.

بل أتوا بمعارضة عمياء مضحكة ودون الاستناد لأي شيء يذكر، بل وصفوا حديثي بأنه لم يكن مستندا على أساس علمي والحق أن جدالهم غير المجدي هو الفقاعة الفارغة من أي محتوى علمي. والله سوالف بس!

ثانيا: إني قد وضعت في الحسبان حساب المدخول المائي من الأطعمة والذي لم ينتبه إليه منهم أحد؛ إذ أن رصيدك المائي اليومي ليس من الماء فقط.

ثالثا: إن CDC نصت في علاج الإجهاد الحراري «والذي من أركانه الرئيسة الظمأ الشديد وفقدان الجسم للسوائل بالتعرق الشديد وغيره» فقد نصت CDC في علاج هذه الحالة الجافة بأن لا يتعدى الشخص 48 أونصة أي 1.4 لتر في الساعة؛ ثم عللوا: «هذا يسبب حالة طبية طارئة

بسبب انخفاض تركيز الصوديوم في الدم» وهذا ما ذكرته تماما.. فكيف يأتي واحد ويقول ما يصير التسمم المائي إلا بعد شرب 16 لترا في الساعة؛ ياخي الماء كله في جسمك حول 4 لترات ما لكم كيف تحكمون؟!

سيقول قائل: طيب أنت قلت 1 لتر وهم قالوا 1.4 سأتجاوب معه مع أن الفرق لا يذكر وأقول:

أولا: CDC حددت ألا تتعدى 1.4 يعني لو شربت 1 فقط فهو الأفضل، وثانيا: فإن هذا التحديد مع حالات الإجهاد الحراري المعروفة بالجفاف الشديد والتعرق الشديد؛ فما بالك بمن تحدثت عنه أنا وهو الشخص العادي الراوي المستقر الذي طوال ليله يأكل ويشرب.

ثم إني تحدثت عن شرب لتر في ساعة ولا أضمن أنك خلال 60 دقيقة تماما لم تشرب كوبا من العصير أو الحليب أوغيره؛ بل ومن المؤكد أنك أكلت طعاما أو خضراوات؛ فعلى سبيل المثال لحمة الحاشي 78% منها ماء؛ والحبحب 92% منه ماء؛ والفراولة 91% منها ماء؛ و88%

من البرتقالة ماء؛ و96% من ورقة الخس ماء؛ و94% من الطماطم ماء؛ ناهيك عن أن تكن احتسيت شوربة أو أكلت زبادي أو شربت كوب لبن أو حليب.. إذن ستتعدى اللتر بكل تأكيد.. وهذا هو الرصيد المائي اليومي الإجمالي الذي لم يهتدوا إليه سبيلا.

رابعا: وإن كان التسمم المائي قليل الحدوث؛ إلا أنه يحدث؛ وعلاوة على ذلك فإن هناك حالات شائعة تسببه باستثارة إحساس الظمأ، وعلى رأسها:

  • استخدام المدرات.

  • استخدام المسكنات غير الستيرويدوية NSAID.

  • بعض الأدوية النفسية.

  • مرض احتقان عضلة القلب CHF.

  • مشاكل الكلى والكبد.

  • السكري غير المنضبط.

  • انفصام الشخصية وغيرها.


وكلنا نعلم أن هذه الأمراض والأدوية متواجدة بيننا فكيف يكون الأمر لا يستحق التنبيه أو لا يجب ذكره كما ذكر بعضهم؟!

خامسا: إننا نعلم إن الاحتياج اليومي للماء وفقا لجامعة هارفارد خلال 24 ساعة هو 2.7 إلى 3.7 لترات، لاحظ خلال 24 ساعة متوزعة.. يعني 125 مل فقط كل ساعة؛ فكم هو البون بين 125 مل و 1000 أو 1500 مل؟!

سادسا: إن مجمل ما يحويه دم جسم الإنسان من الماء هو 1 جالون أي أقل من 3.5 لترات؛ فهل إدخال لتر كامل على 3.5 لترات في ساعة يعد أمرا عاديا؛ هل التغيير بنسبة 28.5% في ظرف 60 دقيقة في دم الإنسان يعد أمرا هامشيا؟!

ما بالك بمن يقول لا يحصل التسمم إلا بعد 20 لترا في الساعة؛ يعني ننتظر حتى يدخل الشخص 7 أضعاف دمه ثم نقول تسمم مائي؟!

سابعا: إضافة إلى سادسا؛ فإن الكلى لا تستطيع أن تصفي في الساعة أكثر من 0.8 لتر، وإذا بغينا نحسب كم نحتاج من الماء بشكل دقيق نضرب الوزن في 30 مل، ووفقا لجامعة هارفارد فإن الماء يشكل من وزنك 60%؛ فلو واحد وزنه 150 باوند 68 كيلو فسوف يحتاج 2040 مل

يعني 2 لتر، ووفقا لهارفارد فإن الشخص الذكر الذي يبلغ 19 عاما فما فوق يحتاج 3.12 لترات خلال 24 ساعة (104 أونصة)، أما من تبلغ من النساء 19 عاما فهي تحتاج 2.1 لتر فقط خلال 24 ساعة (72 أونصة).

ثامنا: معدل التبول اليومي من 0.8 إلى 2 لتر على مدى 24 ساعة للشخص الذي يشرب 2 لتر يوميا، ووفقا لساينس دايركت فإن الشخص يستطيع إنتاج 10-15 مل فقط في الدقيقة من البول أي 600 إلى 900 مل في الساعة؛ يعني أقل من لتر؛ فهل يكون عاديا إن أجبر الكلى لتخرج

أكثر من 1 لتر في ساعة؟!

تاسعا: إن الكلى الطبيعية لا تستطيع طرد أكثر من 20-28 لترا من الماء خلال 24 ساعة؛ أي تتخلص فقط من 0.8 لتر خلال الساعة الواحد؛ فهل إقحام أكثر من طاقتها يعد أمرا عاديا ويكون مخطئا من ينوه عنه؟!

عاشرا: إن PubMed نصت بوضوح في مايو 2002 على أن: «شرب أكثر من 5 لتر في «بضع» ساعات يسبب التسمم المائي المسبب لانخفاض الصوديوم المحدث للوذمة الدماغية» ثم ختموا: «توصي إرشادات السلامة الحالية إلى الحد من شرب السوائل أوقات التعرق الشديد إلى 1 إلى 1.5 لتر في الساعة» واضح جدا الكلام لا يحتاج تفسير فهل تسمعون؟!

حادي عشر: في 2002 أوردت أكسفورد في قسم الطب العسكري المجلد 167 العدد الخامس ما يطابق حديث PubMed: «توفر إرشادات السلامة الحالية إلى الحد من تناول السوائل في أوقات التعرق الشديد إلى 1 لتر إلى 1.5 لتر في الساعة».

لاحظ جامعة أكسفورد تقول: في حالة التعرق الشديد لتر إلى لتر ونصف ونحن عندما قلت لتر إلى لتر ونصف في الحالة العادية أقاموا الدنيا ولم يقعدوها!

ومن هذه الأخيرة أقول: واضح جدا بأن المعارضة لم تكن إطلاقا علمية بل أشياء منخفضة أستحي أن أذكرها حشمة لذاتي ولصحيفتي الموقرة التي تحمل اسم أطهر بقعة.

ولعل المتابع أذكى بكثير مما يظنون؛ فقد رأى أن ما أوردته حينها وما أوردته الآن جميعها مستند على المبادئ العلمية والمراجع الموثوقة CDC ساينس دايركت kidney.org جامعة اكسفورد جامعة هارفارد NIH و PubMed، ولم يأت رد واحد علمي للأسف بل: سوالف دكة

وحسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق.

إذن اعتمدت على المبادئ العلمية الثابتة مستنيرا بالدراسات الموثقة والتوصيات العلمية من كبريات الجامعات العالمية والمراجع الطبية واستنتجت أن التسمم المائي ربما يحدث بعد شرب لتر إلى لتر ونصف في غضون ساعة ووافقتني جامعة أكسفورد و PubMed بالنص الصريح؛

كما وافقتني هيئة الصحة العامة السعودية الشامخة «وقاية» بالمعنى بعدما حسمت تلك الجدالات التي افتعلها البعض عن قصد حسمتها بقولها: «يمكن أن يحدث التسمم المائي عند شرب 3-4 لترات من ساعة إلى ساعتين» وهذا يوافق كلامي تماما فهو نفسه: شرب لتر إلى لتر ونصف خلال ساعة.

أما قبل الختام فقد وعدتك بداية المقال أن أذكر أمرا مضحكا: وهو أني وجدت أحدهم يكتب في صحيفة سعودية باللغة الإنجليزية مقالا يحرض فيه ضدي وهو في الأصل لا ناقة له فيه ولا جمل في الطب؛ بل نصب نفسه حكما وجعلني متهما ثم دلس بقية مقاله بصور للأخطاء الطبية في

دول أخرى ليدلس على القارئ ويوهمه بما في «رأسه»؟! طيب وش دخلني في الأخطاء الطبية في أمريكا أو زحل يا باشا؟!

لكن لا ألومه، بعض الأطباء وهم أطباء انبروا واستبسلوا واكفهروا بسوالف مضحكة والشتائم مبتعدين عن كل منهج علمي أو حتى أدبي؛ فلماذا لا يفعل هذا فعلهم.

يا قارئ مكة ألا ترى؟! العلم والمنطق يحتاجان علما ومنطقا فما لهم كيف يحكمون؟! أم لهم كتاب فيه يدرسون؟!

سنستمر في مسارنا لنقدم العطاء لمجتمعنا الكريم منسجمين مع رؤيتنا الواعدة 2030 فبجهدنا نرفع الفكر الصحي؛ فنقي المجتمع المرض ليعيش متعافيا هانئا ولتوفر ملايين الريالات التي كانت ستصرف في علاج ورعاية وتنويم وعمليات.. ولنحفط الأرواح بصحة متينة ولنضع أيدينا

بأيدي «وقاية» لنبقى «بخير». دمتم بصحة.

saud_alshehry_@