شاهر النهاري

رزية العفو الرئاسي

الاثنين - 09 مايو 2022

Mon - 09 May 2022

كوارث دولنا العربية منذ خريفها مبنية على قاعدتين، يصعب اجتماعهما بالعقل، الأولى هي بحث الشعوب عن الحياة الكريمة، بعد أن ظلت صابرة مستسلمة لما يحدث لها وحولها من شدة وضيق وهوان وتيه، لم تكن قادرة على تغييرها بأيديها، ولا بعقول حكمائها، ولا بقلوبها النازفة، فاضطرت للعنف، والثورات.

والقاعدة الثانية، هي السلطات الحكومية المتجبرة، المرتسمة بغطرسة حكام يتبارون بجبروتهم وعجزهم عن خلق التوازن المنطقي لأوطانهم وشعوبهم، بجنون عظمة، وطمع، ورغبة بالاستبداد تتفاقم، وسعي عنيد لإخماد أصوات الشعوب بالطرق التنظيمية التعسفية الخانقة، وكتم حرية الرأي، وغسيل العقول بإعلام موجه كاذب، أو بخلق الفتن العظمى بين طبقات الشعب وبين القطاعات الحكومية الراعية من جيش وقوات داخلية، ليعم الفساد والفوضى، والتخوين والشروخ، ويصبح «كل من إيده إله»، كما تابعناها في معظم دول الخريف العربي.

كوارث وفواجع غير مسبوقة طوت البلدان والشعوب العربية، واستبداد وطغيان ونشوز وكفر قيادات كانت أشد الخصوم لشعوبها، مثل بشار، والقذافي، والبشير، وعلي عبدالله صالح، وبمنهجية تمنع التلاقي بين القاعدتين، وتتمادى في إنكار حقيقة أدوارها، لخدمة الشعوب، واستبدالها بنشر الفوضى الإدارية والأمنية والفساد، وتعظيم شبيحتها وتمكينهم من حكم الشارع بالنار، ما زاد من تردي الخدمات، وشيوع الخوف والإرهاب، والفساد، والسرقات العلنية للموارد، وبيع أجزاء من الأوطان للصوص عالميين وإقليميين، وجماعات إرهابية، ومرتزقة، ولأشرار مقربين جشعين استغلوا الظروف والصفقات.

حكومات ظالمة لم تبادر بالإصلاح الحقيقي، ولكنها أبدعت في تهجير الشعوب، وإفنائها بالبراميل المتفجرة، وأسلحة الدمار الشامل، ورمي التهم على المعارضة، وتبرئة المجرمين، وتعظيم المعتقلات، والمقابر الجماعية، وتقسيم البلدان، إلى أشلاء، متنافرة متحاربة.

والمثال الأكثر جلاء في ذلك المأساة السورية، مجمع الظلم والفوضى، من أفقدت السوريين جميع حقوقهم الإنسانية، وانتقمت منهم بإجراءات تشيب لها الولدان.

وبعد أكثر من عشر سنوات يصدر العفو الرئاسي الأسدي، عن بعض من ضمتهم معتقلات النظام السوري الوحشي، بيقين أنهم أصبحوا أجسادا مهلهلة بلا نفسيات، ولا حواس، ولا عقليات، ولا قدرة على تذكر حتى أسمائهم، نتيجة أهوال ما عاشوه من رعب وهوان وذل وتعذيب أفقدهم كرامتهم وإنسانيتهم.

عفو بشاري رئاسي يأتي بعد تعنت وغطرسة وجبروت وطغيان سلطة ظالمة، والمضحك المبكي، أن سبب هذا العفو، مجرد محاولة بائسة من القيادة لتجميل شرورها، وطمس تسريبات الكمبيوتر الخاص بأحد كبار الشبيحة، «الضابط أمجد يوسف»، بعد أن أرسله ليتم إصلاحه، فتم كشف بعض ما فيه من هول مقاطع مفزعة لمجزرة جريمة حرب جماعية نفذها في مواطني حي التضامن، وصورها!

منتهى الإجرام والسادية، بتقييد وعصب أعين المواطن، وإخافته ليتجه على قدميه لحفرة المقبرة الجماعية، حيث يطلق الرصاص عليه بضحكة!

ومثل أمجد مئات من القتلة الجماعيين كانوا شياطين مخلصين، ينفذون ما يزيد من تثبيت أقدام الحاكم الظالم.

العفو الرئاسي الأسدي مجرد تمثيلية قبيحة ركيكة، لتزيين وإخفاء جرائم الحرب، وتحسين سمعة الأسد، التي تسعى دول عالمية وإقليمية وعربية لترقيعها وتلميعها.

قصة حاكم عربي تعيس، لا أظن التاريخ سينساها، حتى ولو أعيد بشار للجامعة العربية، ومرر النظام العالمي نصره الكاذب المشوه، وحتى لو أعطيت له بعض مليارات إعادة تعمير سوريا، ليكمل بها رزية عار تطغى على كل حكايات الظلم البشري.

@shaheralnahari