حسن علي العمري

المشاريع الكبرى بين الحلم والواقع

السبت - 07 مايو 2022

Sat - 07 May 2022

كثر الحديث واستطال خلال الفترة الماضية من زوايا مختلفة لبوابة الحرمين الشريفين مطار جدة وما يتم نقله وتحليله بعلم أو بغيره مما لا يمكن الحكم عليه من غير المختصين، فمن المؤكد أن هناك وقفة رقابية من جهة الاختصاص وخطوات تصحيحية بعد إجراء التحقيقات اللازمة والتقصي الميداني لكنني سأحلل الأمر في إطار عام من زاوية أخرى مع انتظار الجميع لما ستظهره تلك الإجراءات ومحاسبة من يثبت تقصيره أو سوء إدارته أو فساده.

لدينا رؤية منهجية واضحة المعالم والأهداف تسير بخطى ثابتة ومرسومة، ولا شك أن تصرف أي مسؤول أو عامل سواء كان موظفا عاما أو ما يعد في حكمه أو خاصا في أي موقع خدمي يخرج عن السياق المفترض لأداء واجباته المناطة به فهي صورة من صور الفساد الإداري والمالي أو التشغيلي، وبالتالي فهو سعي بطريق مباشر أو غير مباشر لتعطيل مسيرة الرؤية وفق مقتضيات كل حالة وما يتمخض عن معالجتها وفي ذات الوقت تشويه لأي مشروع وللجهود الجبارة التي بذلتها الدولة لإنجازه وجعله واقعا ملموسا يضاهي أجمل مثلائه في العالم.

وبالرغم من الجهود المبذولة والأموال الطائلة التي يتم صرفها على المشاريع وبالذات الكبرى -مطار جدة أنموذجا- إلا أن العنصر البشري سواء في الإدارة أو التنفيذ أو التشغيل أو مختلف المستويات يظل الأهم بعد ذلك، ولا يمكننا القول بأن أخطاء أو إهمال أو فساد أي موظف في أي منظومة تتعلق بمؤسسات النفع العام وخدماتها هي أخطاء فردية بحتة فذلك القول مردود لعدة اعتبارات.. منها:

أولا: أن الأصل يقتضي أن يتم اختيار الموظف أو العامل بالنظر لكفاءته وتميزه وتأهيله وإمكاناته التي جعلته يتقدم على غيره من الراغبين للالتحاق بهذا العمل.

ثانيا: أن جهة العمل قد أعدت برامجها التدريبية المتناسبة مع مهامها لتدريب منسوبيها على هذه المهام وألحقتهم بها وتأكدت من إتقانهم وإجادتهم لهذه المهام قبل مباشرتهم لأعمالها مع استمرار التدريب على رأس العمل لإكسابهم المزيد من المهارات وصقل مواهبهم.

ثالثا: اختيار المدراء المؤهلين والفاعلين والمميزين الذين يملكون الرؤية المناسبة والحلول وتفعيل مفاهيم الإدارة الحقيقية من حيث الرقابة والمتابعة والتوجية والمحاسبة وفق مقتضيات نصوص القانون.

رابعا: أن كل خروج بعد ذلك على مقتضيات السلوك الحسن والنزاهة وقيم الوظيفة هو في واقعه فساد يجب الحزم في محاربته واستئصاله واستبعاد من يتورط فيه خارج المنظومة الخدمية بعد معاقبة فاعله قضاء وتطبيق الأنظمة المرعية بحقه، لأن جرائم الفساد بمختلف صورها هي جرائم مخلة بشرف الوظيفة وأمانتها التي يجب أن تبقى متوفرة بذات الموظف وسلوكه طيلة فترات التحاقه بهذه الوظيفة فإن خرج عنها خلال أي مرحلة سقط عنه شرط حسن السيرة والسلوك ووجب استبعاده.

لكن ماذا لو أخلت جهة الإدارة بأحد واجباتها في التعامل مع موظفيها والمهام الموكلة كأن كان اختيارهم غير دقيق ولاعتبارات لا علاقة لها بالكفاءة ولا بالتميز ولا بالقدرة ولا بالتأهيل، أو قصرت في برامج التأهيل أو التدريب أو في اختيار المديرين الأكفاء أو في التوجيه السديد أو الرقابة أو المتابعة أو التوعية المناسبة لمنسوبيها أو في حوكمة إجراءاتها، فإنها بكل ذلك أو بعضه تكون حتما بيئة خصبة لنشوء حالات الإهمال والفوضى والاستغلال والتسيب والفساد، أو الإثراء غير المشروع وبالتالي فهي شريكة في الخطأ وفي الجريمة، ووجب أن يطالها العقاب وبحكم أنها شخصية معنوية فيتم معاقبة

مدرائها العامين أو رؤساء مجالس إدارتها بالعقوبة المقررة للشخصيات المعنوية ومنها حلّ هذه المجالس أو الإعفاء أو الغرامات وغيرها.

بقي أن أشير إلى أن الإدارة هي السر الكامن وراء الغالب الأعم من المشكلات العملية والتنموية؛ فلا تنمية ولا تقدم ولا تطور ولا إنجاز بدون إدارة فاعلة مستوعبة، ففي كل فشل وفي كل إنجاز حقيقي فتش عن الإدارة ثم الإدارة ثم الإدارة فثمة العقول والحلول.

@hass_qr