صيامنا وصيام الصحابي عيينة رضي الله عنه
الثلاثاء - 26 أبريل 2022
Tue - 26 Apr 2022
لشهر رمضان غير الجانب الروحي الذي يضفيه دخوله على المسلمين أبواب واسعة أخرى موازية يحدثها الناس في إطار شهر واحد، ويتغير فيها كثير من عاداتهم وممارساتهم وحتى أمزجتهم وطباعهم وطريقة تعاملهم. ومن المعروف أن العبادات تأخذ زمنا محدودا من الوقت كالصلاة والحج وغيرها من صنوف العبادات المفروضة، ويأتي رمضان خلاف ذلك، حيث يستمر العمل التعبدي فيه شهرا كاملا وفيه يحدث تحول وتغير في كل ما يمارس الصائمون من أعمال ومن عبادات عرفوها خلال أحد عشر شهرا، فإذا جاء رمضان تحولت العادات التي كانت تمارس طول أيام السنة إلى عادات خاصة
بالشهر الفضيل، أولها وأهمها الضبط الذي يكون في حياة الأسرة لا سيما الاجتماع على مائدة الإفطار، وهي حالة نادرة قلما تحدث إلا في رمضان حين لا يغيب أحد عن اللحظة المنتظرة لكلمة الإذن العام للناس في المدينة الواحدة حين ترفع الكلمة الخالدة الله أكبر فتمتد أيديهم إلى الإناء معا، لحظة من الصعب أن تجمع الناس عليها وتحكمهم بها إلا في رمضان، وفيه يتحلى الناس بالسكينة والهدوء، ويمشي أكثرهم هوينا بعيدين عن الجدل والشجار وما معه من مظاهر الانفعال في بعض اللحظات حتى يقول القائل منهم لمن جادله: اللهم إني صائم.
ولو استعرضنا تاريخ رمضان وما يُحدث الناس به بعيدا عن أجوائه الروحية التي ليست موضوعا للمناقشة إنما المناقشة هنا للجانب الثقافي وما تحفظه بعض النصوص عن تفاعل العرب حين البدء بالتجربة الأولى لصوم رمضان، والجدل بين المقرين بالفريضة والممتنعين عنها حتى في محيط الأسرة الواحدة، وكيف يحتج كل فريق لرأيه.
الفريق الأول: المقرون بالصوم الذين يأمرون به والمعارضون الذين يرون أنهم بين خيارين صوم عارض ينتهي وصوم أبدي سرمدي لا نهاية له ويختارون الصوم الأبدي على الطارئ، ويحتج كل منهما لما يرى وما يقول شعرا ونثرا.
الفريق الثاني: من يرى التفريق بين المطعم والمشرب، فصومه عن الطعام ممكن ومحبذ أما عن الشراب فرأيه غير ذلك وتعليله يأتي من موقفه الذي يبرر فيه الخلاف بين الصوم عن الطعام الذي لا يحدث ضررا كثيرا في ما يرى والامتناع عن الماء الذي هو بلل العروق وسلسبيل الحياة، ومن يرى هذا الرأي يحتج لرأيه ويراهن على الموعد البعيد الذي سيصيرون إليه وأيهما يكون معه الحق وبجانبه الصواب.
الفريق الثالث: أما أطرف الجدل فهو الفريق الثالث الذي يساوي بين اليوم والليلة ويختار أروحهما عليه كما فعل عيينة بن حصن سيد فزارة، الذي وفد على النبي مسلما في المدينة المنورة فصار له بالوفادة صحبة وحرمة، وعرض على النبي عرضا غير موفق فوصفه بالأحمق المطاع، وله رضي الله عنه مواقف معروفة مع أبي بكر وعمر وغيرهما، وقد أخذ الصحابي عيينة ما يراه موافقا لحاله وهو مرتاح الضمير، وبقي على ذلك حتى وفد على الخليفة عثمان بن عفان في آخر أيام خلافته ونصحه وأطال في النصيحة، فتبرم الخليفة منه ومن نصائحه، ودعاه للعشاء إكراما له وقطعا للجدل معه، فكانت
المفاجأة للخليفة والحاضرين أن الرجل صائم لله قائم بفرضه، فلما سألوه أمواصل هو؟ كان الجواب مفاجئا أيضا: ما استطعت صوم يوم كامل فكيف بما هو أكثر من ذلك لكنني اخترت صيام الليل لأنه أروح لي.
والشبه قائم بين صيام عيينة بن حصن الفزاري وصيام بعض قومنا في وقتنا الحاضر، الذين يسهرون الليل كله فإذا أمسكوا للصيام فجرا آووا إلى غرف مكيفة مغلقة لا يرون الشمس فيها إلى أن يقوموا للإفطار بعد غروبها، وقد قسموا اليوم الواحد وجبتين كما كانت العرب تقسمه يوما وليلة، وبه تأول عيينة الليل وجبة مقابلة لوجبة النهار ومكافئة لها، فاختار صيام وجبة الليل لأنه أروح له، واختار أصحابنا النوم في النهار كله لأنه أروح لهم أيضا. فهل لأهل الفتوى رأي في صيام كهذا الصيام؟
Mtenback@
بالشهر الفضيل، أولها وأهمها الضبط الذي يكون في حياة الأسرة لا سيما الاجتماع على مائدة الإفطار، وهي حالة نادرة قلما تحدث إلا في رمضان حين لا يغيب أحد عن اللحظة المنتظرة لكلمة الإذن العام للناس في المدينة الواحدة حين ترفع الكلمة الخالدة الله أكبر فتمتد أيديهم إلى الإناء معا، لحظة من الصعب أن تجمع الناس عليها وتحكمهم بها إلا في رمضان، وفيه يتحلى الناس بالسكينة والهدوء، ويمشي أكثرهم هوينا بعيدين عن الجدل والشجار وما معه من مظاهر الانفعال في بعض اللحظات حتى يقول القائل منهم لمن جادله: اللهم إني صائم.
ولو استعرضنا تاريخ رمضان وما يُحدث الناس به بعيدا عن أجوائه الروحية التي ليست موضوعا للمناقشة إنما المناقشة هنا للجانب الثقافي وما تحفظه بعض النصوص عن تفاعل العرب حين البدء بالتجربة الأولى لصوم رمضان، والجدل بين المقرين بالفريضة والممتنعين عنها حتى في محيط الأسرة الواحدة، وكيف يحتج كل فريق لرأيه.
الفريق الأول: المقرون بالصوم الذين يأمرون به والمعارضون الذين يرون أنهم بين خيارين صوم عارض ينتهي وصوم أبدي سرمدي لا نهاية له ويختارون الصوم الأبدي على الطارئ، ويحتج كل منهما لما يرى وما يقول شعرا ونثرا.
الفريق الثاني: من يرى التفريق بين المطعم والمشرب، فصومه عن الطعام ممكن ومحبذ أما عن الشراب فرأيه غير ذلك وتعليله يأتي من موقفه الذي يبرر فيه الخلاف بين الصوم عن الطعام الذي لا يحدث ضررا كثيرا في ما يرى والامتناع عن الماء الذي هو بلل العروق وسلسبيل الحياة، ومن يرى هذا الرأي يحتج لرأيه ويراهن على الموعد البعيد الذي سيصيرون إليه وأيهما يكون معه الحق وبجانبه الصواب.
الفريق الثالث: أما أطرف الجدل فهو الفريق الثالث الذي يساوي بين اليوم والليلة ويختار أروحهما عليه كما فعل عيينة بن حصن سيد فزارة، الذي وفد على النبي مسلما في المدينة المنورة فصار له بالوفادة صحبة وحرمة، وعرض على النبي عرضا غير موفق فوصفه بالأحمق المطاع، وله رضي الله عنه مواقف معروفة مع أبي بكر وعمر وغيرهما، وقد أخذ الصحابي عيينة ما يراه موافقا لحاله وهو مرتاح الضمير، وبقي على ذلك حتى وفد على الخليفة عثمان بن عفان في آخر أيام خلافته ونصحه وأطال في النصيحة، فتبرم الخليفة منه ومن نصائحه، ودعاه للعشاء إكراما له وقطعا للجدل معه، فكانت
المفاجأة للخليفة والحاضرين أن الرجل صائم لله قائم بفرضه، فلما سألوه أمواصل هو؟ كان الجواب مفاجئا أيضا: ما استطعت صوم يوم كامل فكيف بما هو أكثر من ذلك لكنني اخترت صيام الليل لأنه أروح لي.
والشبه قائم بين صيام عيينة بن حصن الفزاري وصيام بعض قومنا في وقتنا الحاضر، الذين يسهرون الليل كله فإذا أمسكوا للصيام فجرا آووا إلى غرف مكيفة مغلقة لا يرون الشمس فيها إلى أن يقوموا للإفطار بعد غروبها، وقد قسموا اليوم الواحد وجبتين كما كانت العرب تقسمه يوما وليلة، وبه تأول عيينة الليل وجبة مقابلة لوجبة النهار ومكافئة لها، فاختار صيام وجبة الليل لأنه أروح له، واختار أصحابنا النوم في النهار كله لأنه أروح لهم أيضا. فهل لأهل الفتوى رأي في صيام كهذا الصيام؟
Mtenback@