باسل النيرب

قلم الحمرة وبرامج رمضان

الاثنين - 25 أبريل 2022

Mon - 25 Apr 2022

وفقا لآخر إحصائيات «الإسكوا» يمكن تصنيف 101.4 مليون شخص في المنطقة على أنهم فقراء، و52 مليونا يعانون من نقص التغذية، ونظرا لمحدودية تغطية البيانات وتحديدا القياس المرتبطة بعدم انتظام إجراء المسوح الأسرية الوطنية، يُقدر متوسط صرف الشخص المصنف فقير عند 1.90 دولارا أمريكيا في اليوم في المنطقة، وفق هذا تم تصنيف نحو 250 مليون شخص من أصل 400 مليون في 10 دول عربية، أو ثلثي إجمالي السكان على أنهم فقراء أو ضعفاء.

هذه الإحصائية الصادرة عن مكتب «الإسكوا» دفعتني للتأمل في حالة برامج رمضان الدرامية، حيث تستقطب القنوات الفضائية العربية في الموسم الرمضاني الحالي (1443هـ / 2022م) 172 مسلسلا جديدا تتطلب من المشاهد 86 ساعة مشاهدة يومية، متوسط نسبة الإعلان كما تم قياسها من طرفي لبرنامج مدته 30 دقيقة تلفزيونية تعادل 42% من إجمالي وقت البرنامج.

والسؤال هنا؛ طالما أن عدد الفقراء أكثر من 101 مليون شخص، وهناك مجموعات بشرية كبيرة تصرف أقل من 2 دولار يوميا للتغذية، لمن هذه الإعلانات التي تغطي أنواعا مختلفة من الأطعمة والمشروبات وماركات الملابس والعطور والشقق السكنية الفاخرة في المجمعات التجارية الكبرى؟

هذا السؤال كان دافعا للبحث حول نظرية اكتشفت من قبل ليونارد لودر الرئيس الفخري لشركة Estée Lauder الخاصة بمستحضرات التجميل، وسميت «قلم الحمرة» الذي لاحظ نمطا ثابتا من ارتفاع مبيعات التجميل خلال فترات الانكماش الاقتصادي التي تعود إلى فترة الكساد الكبير، ولاحظ علاقة تناسب عكسية بين أحمر الشفاه والوضع الاقتصادي وارتفعت مبيعات أحمر الشفاه 11%، بينما كانت مبيعات أحمر الشفاه متردّية عندما كان الاقتصاد مزدهرا، أي أن النتيجة كانت عندما تكون الأوقات صعبة، لا يكفّ المستهلكون عن التسوق لكنهم وبكل بساطة يستبدلون السلع مرتفعة القيمة الشرائية

بسلع الرفاهية الصغيرة لإسعاد أنفسهم.

نظرية «قلم الحمرة» بالتأكيد ليست دعاية لمسلسل سيئ السمعة ولكن تم إطلاق هذا المصطلح لأول مرة العام 2001، ومن المعلوم اقتصاديا أن الأزمات الاقتصادية ترتبط بارتفاع مبيعات البضائع التي تحقق رفعا هائلا في المعنويات (فعلى سبيل المثال نجد أن أفلام شارلي شابلن حققت مبيعات شديدة الارتفاع خلال الأزمة الاقتصادية الكبرى في عشرينيات القرن السابق) وبصورة اليوم تمثل ارتفاع اشتراكات لمنصات الألعاب ومنصات المشاهدة الرقمية، والبضائع التقليدية ذات النوعية المنخفضة وخصوصا المعلبات كونها بديلا عن الطازجة، ومن الناحية النفسية، فإن تأثير قلم الحمرة قد يشكل نوعا

ثالثا من المنتجات التي لها ارتباط وثيق بغرائز البقاء لدى الإنسان.

ويعد مصطلح أثر أحمر الشفاه من المؤشرات الاقتصادية الهامة؛ لأنه من مظاهر آثر الدخل؛ فعند انخفاض دخل الفرد، يعزف عن شراء السلع مرتفعة الثمن، وينفق أمواله على شراء سلع ومنتجات صغيرة الحجم، وأقل قيمة «قلم أحمر الشفاه» على سبيل المثال، لذا يميل الذين يعانون من ضائقة مادية ويرغبون دائما في مكافأة أنفسهم بالتوجه لشراء سلع ومنتجات صغيرة الحجم؛ وهذا ما يجعل مطاعم الوجبات السريعة وصالونات التجميل والمقاهي تعمل خلال وقت الأزمات لتحسين نفسية عملائها وزيادة مبيعاتها.

وتأثير قلم أحمر الشفاه من الدوافع التي جعلت قطاعات الترفيه تعمل بشكل جيد رغم تزامنها مع الأزمات الاقتصادية، فخلال الأزمات الاقتصادية، يكون هناك دوافع تنافسية لدى الأفراد، خاصة في مجال البحث عن العمل؛ ويضطر الباحثون عن العمل إلى إنفاق المزيد من الأموال ليكونوا بالمظهر اللائق، ومع أزمة كورونا ظهرت «الكمامة» ومع وجود الركود الاقتصادي ظهرت بدائل جديدة لأحمر الشفاه؛ تمثلت في كريم الأساس وزيادة مساحة مكياج العيون.

وفي ظل أجواء عامة تسودها الأزمات من غلاء الأسعار وتراجع أسعار صرف العملات وتدني جودة الحياة، لذا فالانتشار الإعلاني ضمن برامج ومسلسلات رمضان وحتى مع حالة الركود الاقتصادي هو استهداف لجميع الطبقات في المجتمع؛ فالشركات الكبرى تدرس مؤشرات الأسواق وتستخدمها للاستفادة منها في فترات الأزمات؛ لتكون مرنة في ظل الأجواء الضبابية، فمثلا مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي يُصدر معلومات عن الاستهلاك الشخصي من المشتريات الخاصة بمستحضرات التجميل والعناية بالجسم كل ثلاثة شهور؛ وينشر مركز الإحصاء الأمريكي بيانات شهرية عن مبيعات التجزئة الخاصة بمتاجر العناية الشخصية؛ للاستفادة من أثر أحمر الشفاه في حالة الكساد والأزمات الاقتصادية

@b_nerab