شاهر النهاري

التهادي والهدايا بين الحب والتمرير

الاثنين - 25 أبريل 2022

Mon - 25 Apr 2022

كانت مدينة أبها الجميلة الناعسة الخضراء منبع أصول وعادات وتقاليد عريقة، تزهو بها الأرواح وتحملها الذاكرة سنوات عديدة، ولا شك أن معظم مدن وبلدات وقرى المملكة تمتلك الطيبة والعمق والأثر، وتتمايز فيما بينها بصون تلك الأصول.

فكانت الهدية المثلى تتمثل بالنقود، وهي الأكثر شيوعا عند الجميع، كونها تسمح لمن تأتيه الهدية أن يذهب ليبتاع بنفسه ما يفضله ويحتاجه.

المرأة الذاهبة لزيارة قريبتها أو جارتها، بعد وعكة أو نفاس، أو قدوم غائب، أو سلامة أحد أفراد الأسرة من حدث، تحزم حبوب قهوة خضراء في صرة قماشية، وتدس وسطها أي نوع من النقد، ريال فضة فرانسي، أو عربي، أو خمس ريالات أو عشرة سعودية ورقية، وحسب قيمة العملة، وحال المهدي، وقيمة من تهدى له، وربما تبلغ الهدية القمة، فتضع في الصرة جنيها ذهبيا.

وكان الرجل حينما يمر على أقاربه من النساء، في زيارة مودة ووصل، أو تأدية واجب، يخرج من جيبه النقد على قدر قدرته وقدر المعطى له، وقدر محبته، وكل ذلك يواجه بالامتنان ومزيد من الحب والقرب والتواصل.

وكان الطفل في الأعياد أو في بعض المناسبات الاجتماعية، يجد القروش، أو الريالات تدس في جيبه من كبار القوم، لما للنقد حينها من أهمية، ومن ندرة، وكونها أفضل وسيلة للتعبير عن منتهى الحب والتقدير، حيث يقوم المهدى إليه بعدها بتحديد حاجاته الحقيقية، وشراء ما يسعده بهذه الهدايا النقدية، دون أن تفرض عليه هدية بعينها قد لا يستفيد منها.

وبعد دخول عصر العولمة، واختلاط عاداتنا بعادات الأمم، وخصوصا ما نراه في وسائل الإعلام ووسائل التواصل، ما جعلنا ننكر عاداتنا الجميلة، ونختلق عادات مختلطة هجينة، جعلت هدايانا مستنكرة حد الغباء.

المريض يجد غرفته في المستشفى مليئة بباقات الورود حتى لو كان يعاني من الحساسية، أو عدد من أطباق الشكولاتة الضخمة والحلويات، الممنوعة على المريض في أغلب الأوقات لما تسببه من زيادة الوزن، ورفع السكر والضغط في الدم، وتأخير شفائه وزيادة توعكه، وكم يجهد أهل المريض في تصريف أغلبها على كل من يعرفون، ويظل المهدى إليه لا يستفيد منها.

وحينما تقوم النساء بزيارة الخارجة حديثا من ولادة، يحملون معهم كراتين من الألعاب وكراسي الأطفال، والمشايات، التي يضيق بها بيت المهدى لها، أو يحضرون ملابس للطفل، لا يستفاد من أغلبها، فلا هي على مزاج الوالدة، وأغلبها صغير المقاس، سرعان ما يكبر الطفل، وهو لم يجربها.

والمضحك أن أغلب تلك الهدايا جزء من عمليات تدوير، تجعل بعض الهدايا تعود لمن أهدتها من قبل!

وفي هدايا هذا العصر الغريب، وفي الدعوات النسائية، تحضر أغلب المدعوات ومعهن أطباق من الطعام تنافس طعام صاحبة المنزل، وغالبا ما يتم كب أكثر الطعام، والتبذير يستمر.

الهدايا في يومنا استعراضية شكلية تحصيل حاصل، وبعضها ضار بالمهدى إليه، وبعضها لا نوايا محبة فيها، مع أن أي مبلغ من المال لو أهدي لكان أفضل وأقوم، وبجمع المبالغ النقدية الصغيرة يمكن للمهدى إليه أن يهدي نفسه ما يحتاج ويشتهي، وفي وقته، وعلى ذوقه الخاص، والأهم من ذلك أن الحب يبقى ويقوي أواصر القرب والتشارك والتقدير.

shaheralnahari@