عبدالله قاسم العنزي

آثار العدول عن الخطبة فقها ونظاما

الأحد - 24 أبريل 2022

Sun - 24 Apr 2022

لقد اهتمت الشريعة الإسلامية بعقد الزواج لاعتباره الروابط التي من خلالها تتكون الأسرة التي هي نواة للمجتمع، ولذلك شرعت الخطبة كخطوة سابقة للعقد لأجل تجسيد استقرار الحياة الزوجية المرتبة عنه أو عدول أحدهما عن الآخر إذا لم يتمكنا من الاطمئنان لبعضهما مما يبعدهما عن إبرام العقد، ويتجنبان الضرر المترتب عن العقد اللاحق بالعدول أثناء الخطبة، فهو تدبير وقائي من الشريعة الإسلامية بهدف تجنب التفريق أثناء قيام الحياة الزوجية.

لما كانت الخطبة مقدمة للزواج فإنها تنطوي على طلب يتقدم به الرجل إلى المرأة التي يرغب فيها أن تشاركه حياته بالزواج إلا أن حصول الخطبة لا يعني بالضرورة حدوث عقد الزواج إذا قد يتم العدول أثنائها لأسباب تختلف باختلاف الظروف والأحوال.

والخطبة كما يعرفها الفقهاء أنها التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة، وعرفها بعض المعاصرين بأنها إظهار الرغبة في الزواج بامرأة معينة وإعلام المرأة أو وليها بذلك، وقد يتم الإعلام مباشرة من الخاطب أو بواسطة أهله فإن وافقت المخطوبة أو أهلها فقد تمت الخطبة بينهما وترتبت عليها أحكامها وآثارها الشرعية والنظامية، وعرفها المنظم السعودي في نظام الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/73) وتاريخ 6/8/1443هـ بأنها طلب الزواج والوعد به.

ومن حيث مشروعية الخطبة فقد دلت نصوص الكتاب والسنة على مشروعيتها فقد عبر القرآن الكريم عن مشروعيتها في قوله تعالى «ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم» ومن السنة جاء في الحديث الذي رواه أبي هريرة أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادا عظيما».

وبناء على ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة فإن حكم الخطبة اختلف فيه فقهاء الشريعة فمنهم من يرى أنها مستحبة ومنهم من يرى وجوبها، ويرى الشافعية بأنها تابعة للنكاح من حيث الحكم لأن المسائل تعطى حكم المقاصد.

لقد اهتم فقهاء الشريعة والقانون بتحديد طبيعتها؛ حيث اعتبرها بعض الفقهاء بأنها وعد بالزواج وليست عقدا ولكن اختلفوا في تفسير مدلول هذا الوعد من حيث كونه ملزما أم لا؟ وعليه نذكر أقوال الفقهاء على النحو التالي:

أولا: يذهب بعض الفقهاء إلى أن الخطبة وعد بالزواج وهذا الوعد غير ملزم عند جمهور الفقهاء؛ لأن الخطبة تمهيد لعقد الزواج والإلزامية للعقد وليس للتمهيد، كما أن العدول عن الخطبة يتوقعه كل واحد من الطرفين إذا لم يتم العقد بعد.

ثانيا: يذهب بعض الفقهاء بأن الخطبة وعد ملزم يجب الوفاء به، وبذلك قال الحسن البصري وعمر بن عبدالعزيز وبن حجر العسقلاني وغيرهم؛ لأن مبادئ الشريعة الإسلامية تحث على الوفاء بالوعد وتنذر عن الغدر بالعهد، فقد جاء في تعبير القرآن الكريم ثناء على إسماعيل عليه السلام في قوله تعالى: «إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا» وكذلك في قوله تعالى: «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا» وفي الحديث: «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» وما سبق من النصوص الشرعية تدل على ذم صفة الإخلاف بالوعد أو العهد وهي تنافي أخلاق المؤمنين

الصادقين.

والراجح أن الخطبة وعد بالزواج غير ملزم، أي هي وعد بالعقد وليست عقدا في حد ذاته، فمن غير المعقول إجبار الخاطب أو المخطوبة عليه وقد نفر أحدهما أو كلاهما من الآخر لسبب معقول، وهذا ما اختاره المنظم السعودي، حيث نص في نظام الأحوال الشخصية أن الخطبة وعد بالزواج وفي المادة الـ2 من النظام نص على «لكل من الخاطب والمخطوبة العدول عن الخطبة».

ختاما: ما يهمنا في الموضوع ما هي الآثار المترتبة على الهدايا بين الخطيبين حالة عدل أحدهما عن الآخر؛ لاعتبار أن الهدايا في كثير من الأحيان تكون سببا لإثارة العداوة والنزاع بين الرجل والمرأة أو عائلتيهما، فهذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها فقهاء الشريعة ولكن المنظم السعودي حسب الخلاف بحيث بين في نظام الأحوال في المادة الـ4 أنه إذا عدل أي من الخاطب أو المخطوبة عن الخطبة بسبب يعود إليه، فليس له الرجوع في الهدية التي قدمها، وللطرف الآخر أن يسترد منه ما قدمه من هدية إن كانت قائمة وإلا بمثلها، أو قيمتها يوم قبضها، ما لم تكن الهدية مما يستهلك بطبيعتها

expert_55@