بندر الزهراني

طرائف وذكريات الدراسة في رمضان!

الاحد - 24 أبريل 2022

Sun - 24 Apr 2022

أتذكر أننا صمنا رمضان أول مرة ونحن على مقاعد الدراسة في أواخر الصيف وبدايات الخريف، كما هو حال طلاب اليوم، وكنا ننتظر انقضاء الوقت ونعد الساعات والدقائق والثواني عدا، كما لو كنا في تحديات حبس الأنفاس، وقد لا تختلفون معي في أن الإحساس ببطء الوقت في تلك الأيام كان ملموسا، بمعنى أن الوقت لم يكن يمضي سريعا كما هو اليوم، فالنهار كان طويلا جدا، وقد لا تأتي الظهيرة إلا ونصف أطفال المدرسة الابتدائية قد أفطروا مجاهرة، ومثلهم أو انقص منهم أو زد عليهم قليلا من طلاب المرحلة المتوسطة على وشك الاستسلام!

الواقع أن الزمن لم يتغير أبدا، بل هو كما كان، وإنما نحن الذين قد تغيروا مع مرور الوقت، تغيرا مطردا ومتناغما مع نمط الحياة المتعولم، فوسائل تمضية وإضاعة الوقت لم تكن موجودة بالكثرة والتطور الذي هي عليه اليوم، فلا الآيفون ولا الجلاكسي ولا ألعاب السوني قد عرفت بعد، ولا حتى القنوات الفضائية، ولم تظهر بشكل كبير برامج التسلية التلفزيونية والمسلسلات الرمضانية الكوميدية والدرامية، ولذلك كانت الدراسة في رمضان مصارعة مع الوقت فوق التعب والصيام.

أتذكر وأنا في المرحلة المتوسطة، في أول يوم من أيام رمضان استيقظت قبيل العاشرة، متأخرا عن الوقت المحدد، ورتبت نفسي، وخرجت أبحث عن إخوتي مسرعا، كي ألحق بهم إلى المدرسة، لأكتشف بعد ساعة من بداية الدوام أنني ألبس نعلين كلتاهما يسار، واحدة لي، والأخرى لأخي عبدالله، فحاولت ما استطعت إخفاء هذه الكارثة عن أعين الطلاب، إلا أنني فشلت أمام ضعف حيلتي وفضول أعينهم، فكانت رجلي أينما ذهبت محل أنظارهم وتعليقاتهم الساخرة!

وفي رمضان دخل علينا أستاذ النحو والنصوص، سوداني فصيح غارق في البلاغة والأدب، كان يحدثنا عن مغامرات تأبط شرا، ونحن صائمون أو بالأحرى نائمون، ولكم أن تتخيلوا في مثل هذه الحالة كيف هي أخيلة الطلاب الغضة وهجماتهم الأدبية المرتدة! فسرب أحد الطلاب قصاصة لزميله، كتب فيها بيتين من الشعر، يقول فيهما وقد تبطن جوعا:

ألا من مبلغ فتيان قومي

بما لاقيت من ظمأ وجوع!

بأني قد لقيت الدرس صعبا

إذا ما الجوع أوغر في ضلوعي!


وفي رمضان جاء المرشد الطلابي يخبرنا أن الاختبارات النهائية ستكون بعد إجازة العيد مباشرة، فاستبشرنا خيرا وقال بعضنا فرحا (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا)، وبينما المرشد يكتب جدول الاختبارات على السبورة، والطلاب يكتبون معه، أشار أخي أن أكتب معهم، فظننت خطأ أنه سيكتبها هو، فلما جاء العيد لم نجد الجدول، فكان عيدنا عيدين، ولم يكن لنا من وسيلة أخرى إلا شحذ الذاكرة وتوقع مادة الاختبار، وبعد مناقشات مضطربة استقرينا على أن المادة هي الرياضيات، وعلى ذلك كانت استعداداتنا، لنتفاجأ صبيحة يوم الاختبار أن المادة هي النحو، والنحو أصعب، فنظرت إلى أخي نظر المغشي عليه من الخوف، ولسان حالي يقول (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا).

لو كنت مسديا مشورة لمسؤولي التعليم لقلت لهم: اجعلوا التعليم في شهر رمضان تعليما عن بعد، نظاما ثابتا لا يتغير، فمعظم المعلمين والمعلمات أصبحوا خبراء أو شبه خبراء في تقديم الدراسة عن بعد، وأغلب الطلبة وأسرهم اعتادوا هذا النظام، وفي مثل هذا العمل -إذا ما أقر- استثمار للطاقات التقنية، وتخفيف على الطلاب والطالبات، وفيه التزام باستمرار الدراسة، ألم ننجح في التعليم عن بعد أيام الجائحة! بلى نجحنا وتفوقنا في عامين، أفلا ننجح في أيام معدودات!

drbmaz@