محمد علي الحسيني

وثيقة مكة المكرمة فتح فكري وعملي

الاحد - 24 أبريل 2022

Sun - 24 Apr 2022

لئن کان التاريخ يزخر بالكثير من الهجمات والحملات الحربية ضد الخلافات والدول الإسلامية المتعاقبة، والتي خلفت الكثير من الأضرار الروحية والمادية، لكن هذه الهجمات والحملات الحربية لم ترق من حيث تأثيرها السلبي إلى مستوى الهجمات والحملات الفكرية المضادة للإسلام والمسلمين، والتي کان تأثيرها أکبر وأعمق بكثير من الهجمات والحملات العسكرية.

للإسلام علماء ربانيون يذودون عنه في كل زمان ومكان

يكشف لنا التاريخ العربي الإسلامي العديد من حالات المواجهة والصراع الفكري مع اتجاهات فكرية مضادة، والتي سعت من أجل أن تؤسس لتغيير جوهري في المسار الفكري - السماوي - الإنساني - الحضاري للإسلام وقولبته وتأطيره بما يجعله منطويا على نفسه ومحددا بدائرة لايمكنه الخروج منها، ولكن الذي يلفت النظر هو أنه کان هناك دائما علماء أعلام يحرصون على هذا الدين أکثر من حرصهم على أرواحهم ويذودون عنه بكل الطرق والوسائل والسبل الممكنة، والذي يلفت النظر أکثر هو أنه حتى في الفترات المظلمة التي كان الضعف يدب في العالم الإسلامي، کان هناك علماء أعلام يردون کيد الضالين المضلين ويٶکدوا بأن الإسلام أقوى من مكائدهم وأحابيلهم.

قوة الإسلام وإمكانيته غير المحدودة في الرد على أعدائه الفكريين وعدم تمكن المتربصين شرا من إلحاق أي ضرر به يعود إلى حقيقة مهمة وهي أن لهذا الدين رب يحميه، يقول سبحانه وتعالى بشأن ذلك: «إنا نحن نزلنا الذکر وإنا له لحافظون»، ولا ريب أن مهمة حماية الدين قد أوکلها سبحانه وتعالى للعلماء الذين رفع الله عزوجل من مكانتهم وقال في حقهم: «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات» وکذلك «فاسألوا أهل الذکر إن کنتم لاتعلمون»، کما أن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وصحبه وسلم قد قال ضمن حديث طويل: «إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا

ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»، وعلى مر التاريخ کان للعلماء المسلمين في صولاتهم وجولاتهم دفاعا وذودا عن الدين دور يشار له بالبنان، وحتى أنهم وفي کثير من الأحيان وضعوا أرواحهم على أکفهم دونما خوف أو وجل من أجل الدفاع والذود عن عز ورفعة هذا الدين.

وثيقة مكة تثبت للعالم عبر بنودها أن الإسلام قوة فكرية إنسانية حضارية

مثلما كان الإسلام مستهدفا خلال العصور المنصرمة من قبل الأعداء والمتربصين شرا به ومن الفئات الضالة المضلة التي تقوم بتفسير وتأويل النصوص الشرعية وفق عقليتها وفهمها الضيق، فإنه وخلال العصر الحديث وبشکل خاص خلال أواخر القرن العشرين وبدايات القرن الجديد، قد تعرض لحملة فكرية شعواء عملت على النيل من الدين والتشكيك به وإظهار عجزه أمام التطورات العلمية والحضارية وعدم تمكنه من المسايرة والمعاصرة، وقد جاءت هذه الحملة في مرحلة بالغة الحساسية والخطورة على إثر الأحداث والتطورات المتلاحقة والمتسارعة، حيث جرت المحاولة للاستفادة من ذلك أيما

استفادة، ولكن ومع الأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل الإيجابية والقوية من جانب العديد من العلماء المسلمين على هذه الحملة الضالة التي خدمت ظاهرة «الإسلامفوبيا» أکثر من غيرها.

لكن ردود الفعل هذه لم تكن کافية، ومن هنا، فقد بادرت رابطة العالم الإسلامي وأمينها العام معالي الشيخ د. محمد عبدالكريم العيسى بتوجيه الدعوة لألف ومائتين ونيف من کبار مفتيي وعلماء الأمة الإسلامية للحضور إلى مكة المكرمة والمشارکة في مٶتمر تاريخي خلال الفترة 22 - 24 من شهر رمضان المبارك لعام 1440 هجرية، حيث تمخض عن هذا المٶتمر إعلان «وثيقة مكة المكرمة» من 29 بندا، وکانت هذه الوثيقة بمثابة فتح فكري عملي في العصر الحديث، كما أن بنود الوثيقة لم تقم بمجرد دحض کل ما قامت به تلك الحملة الضالة من ترويج ودعوة لفكرها، إنما جاءت لتثبت بأن الإسلام قوة فكرية إنسانية حضارية لا يمكن الاستغناء عنها، لأنها في طليعة من يدافعون عن القيم النبيلة والأصيلة وتدافع عن الإنسانية والتحضر بكل ما في وسعها.

إن وثيقة مكة المكرمة التي لفتت أنظار العالم عموما ولاسيما الدول والجامعات والمجالس والمراکز العلمية التي قامت باعتمادها، خصوصا بعدما أثبتت بأن الإسلام قوة خير وعدل وبناء.

@sayidelhusseini