توازنات العالِم!
الاثنين - 18 أبريل 2022
Mon - 18 Apr 2022
لعل أشهر ما يمكن التعبير عنه من نقد العلماء والباحثين الذي يبحثون علوما دقيقة ومتخصصة، وليست متداولة بشكل مباشر في الحياة اليومية، أو ربما لا تمس الحياة المباشرة بشكل عام، بأنهم منفصلون عن الواقع، وقد يستطيل النقد لمقولة متطرفة وهي: إنهم يضيعون وقتهم بما لا يفيد البشرية، وإن كانت هذه النظرة لها مبررات نسبية، عطفا على وجود مشاكل آنية لم تحل، فإن ثمة مبررات لهم ربما تكون أقوى -أو على الأقل ذات وجاهة جدلية واضحة- وهي أن العلم إذا صار خادما للواقع الحياتي اليومي فإنه بهذه الطريقة سيتوقف عند إنجاز أهدافه أو عند عجزه عن إنجازها.وهذا يعتبر عيبا في
سلوك العلم، بينما إن فارق العلم الواقع وانفصل عنه -ولو قليلا- فإنه يتحول للوحة فنان إبداعية، والفنان هو الذي كلما قللت القيود عليه، زاد إبداعه، وكلما قللت دوائر المحظور والمأطّر له زادت آفاق رؤيته، و لعل أبرز مثال على ذلك أبحاث الفضاء العالمية، وكيف أنها اخترقت حجبا عظيمة غير متصورة، ولو أنها ارتبطت بالواقع لما تعدّت في أبحاثها المجالي الجوي للكرة الأرضية أو على الأقل وطنا بديلا للأرض، والتي تعتبر هدفا آنيا للبشرية في العصر الحديث!
هذه الرؤية لها ما يبررها وفق هذه الرؤية، ولكن ينازع هذا الأمر هو نزوع العلماء للانفصال عن هذا الواقع؛ في وقت يكون واقعهم وأزماتهم الحالية في أمس الحاجة لهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى إذا أدمن العلم أو العالِم هذا السلوك ترسخ الانفصال فيه حتى صار سمتا أو نمطا لديه؛ مزدريا الواقع، والعكس أيضا، فالمنغمسون بالواقع برغم سطحيتهم وآنية نتائجهم، لا يرون في العلم المثالي أي فائدة في وقت يجب أن تسخّر تلك التكاليف وتلك الجهود لصالح ما يصب في مصلحة البشرية مباشرة بدلا من تلك الأحلام الوردية.
وتمثل الرؤية الأولى قطاع عريض من العلماء والفلاسفة، إذ أنها توصف بأنها من علم خاصة الخاصة، أو أنها من علوم النخب، أو أن أبحاثها تقتصر على ذوي العقول والرؤية والإمكانيات الفكرية، وفي طريقة أخرى تخص مراكز الأبحاث والجامعات، ويخالفهم علماء وفلاسفة بنفس حجم الحجج والقوة، وعلى رأسهم غرامشي الذي أمضى عمره وهو يؤكد على الفيلسوف العضوي، والمنتمي للمجتمع والحياة منغمسا فيه كعضو فاعل.
والحقيقة أن الموضوعين يسيران في مسارين متوازيين وأن غلبة أحدهما على الآخر مؤثر على الآخر، فالأمور تقدر بقدرها، فلا شك أن العلماء المنغمسين في المثالية يكونون اكثر عطاء للبشرية في المدى البعيد، والمنغمسين في الواقع أكثر إصلاحا للواقع، وإن مزيجا من هؤلاء وأولئك يكون توازنا قيما لصالح البشرية، وأن ابتعاد أحدهم عن مجال الآخر؛ إضرار بفكره وحياته وعطائه مما يتطلب جهدا في أن يحول دون أن يفقد مميزات الجهة الأخرى. على الباحث أو العالم أو المختص المثالي أن يكون ذا نزعة واقعية لكي يعرف واقعه وكيف تسير الحياة وكيف يسخّر مثاليته لصالح هذا الواقع، على أن يكون العالم العضوي ذا نزعة مثالية تسمح له بتطوير أدواته منعا لها عن التوقف عند إنجاز مهامه، وأن تكون هذه الازدواجية هي عامل بناء لأفق غير محدود لسلوك العلماء!
Halemalbaarrak@
سلوك العلم، بينما إن فارق العلم الواقع وانفصل عنه -ولو قليلا- فإنه يتحول للوحة فنان إبداعية، والفنان هو الذي كلما قللت القيود عليه، زاد إبداعه، وكلما قللت دوائر المحظور والمأطّر له زادت آفاق رؤيته، و لعل أبرز مثال على ذلك أبحاث الفضاء العالمية، وكيف أنها اخترقت حجبا عظيمة غير متصورة، ولو أنها ارتبطت بالواقع لما تعدّت في أبحاثها المجالي الجوي للكرة الأرضية أو على الأقل وطنا بديلا للأرض، والتي تعتبر هدفا آنيا للبشرية في العصر الحديث!
هذه الرؤية لها ما يبررها وفق هذه الرؤية، ولكن ينازع هذا الأمر هو نزوع العلماء للانفصال عن هذا الواقع؛ في وقت يكون واقعهم وأزماتهم الحالية في أمس الحاجة لهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى حتى إذا أدمن العلم أو العالِم هذا السلوك ترسخ الانفصال فيه حتى صار سمتا أو نمطا لديه؛ مزدريا الواقع، والعكس أيضا، فالمنغمسون بالواقع برغم سطحيتهم وآنية نتائجهم، لا يرون في العلم المثالي أي فائدة في وقت يجب أن تسخّر تلك التكاليف وتلك الجهود لصالح ما يصب في مصلحة البشرية مباشرة بدلا من تلك الأحلام الوردية.
وتمثل الرؤية الأولى قطاع عريض من العلماء والفلاسفة، إذ أنها توصف بأنها من علم خاصة الخاصة، أو أنها من علوم النخب، أو أن أبحاثها تقتصر على ذوي العقول والرؤية والإمكانيات الفكرية، وفي طريقة أخرى تخص مراكز الأبحاث والجامعات، ويخالفهم علماء وفلاسفة بنفس حجم الحجج والقوة، وعلى رأسهم غرامشي الذي أمضى عمره وهو يؤكد على الفيلسوف العضوي، والمنتمي للمجتمع والحياة منغمسا فيه كعضو فاعل.
والحقيقة أن الموضوعين يسيران في مسارين متوازيين وأن غلبة أحدهما على الآخر مؤثر على الآخر، فالأمور تقدر بقدرها، فلا شك أن العلماء المنغمسين في المثالية يكونون اكثر عطاء للبشرية في المدى البعيد، والمنغمسين في الواقع أكثر إصلاحا للواقع، وإن مزيجا من هؤلاء وأولئك يكون توازنا قيما لصالح البشرية، وأن ابتعاد أحدهم عن مجال الآخر؛ إضرار بفكره وحياته وعطائه مما يتطلب جهدا في أن يحول دون أن يفقد مميزات الجهة الأخرى. على الباحث أو العالم أو المختص المثالي أن يكون ذا نزعة واقعية لكي يعرف واقعه وكيف تسير الحياة وكيف يسخّر مثاليته لصالح هذا الواقع، على أن يكون العالم العضوي ذا نزعة مثالية تسمح له بتطوير أدواته منعا لها عن التوقف عند إنجاز مهامه، وأن تكون هذه الازدواجية هي عامل بناء لأفق غير محدود لسلوك العلماء!
Halemalbaarrak@