عبدالعزيز الخضر

أمراض الإعلام الجديد مع تصريح المسؤول

السبت - 13 أغسطس 2016

Sat - 13 Aug 2016

كل شيء مرضه من داخله، تنمو في مواقع التواصل كثير من الأمراض والعدوى المتبادلة حتى تصبح سلوكيات منتشرة حتى بين أسماء حققت شعبية فيها، وتعمل في هذه المواقع كدوام يومي، وقد أصبح تويتر جزءا من هويتها وحضورها، فهو مهمة لا تتطلب مهارات معقدة بقدر ما هو جهد يومي في النقل والتسكع بين الحسابات، وبعد فترة يتطور لديه حدس ما يريده الجمهور من خلال عدد الريتويت في كل تغريدة، فيضيع الإحساس بالمسؤولية لرفع الوعي في المجتمع إلى رفع عدد المتابعين.



قبل أيام تثير تصريحات عضو مجلس في الشورى خليل كردي ردود فعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بوسم # عضو_شورى_للمتقاعدين_كفاية_دلع. بعد تصريح له في إحدى الصحف. انشغلت التغريدات حول مفردة «دلع» وترك الموضوع الأصلي، وتحولت النقاشات إلى جوانب مكررة بهاشتاقات قديمة لا علاقة لها بموضوع التصريح نفسه.



ليست المشكلة في الاعتراض على مثل هذا اللفظ وإنما في طريقة تناوله بحيث يطمس تفاصيل القضية التي يتكلم عنها الموضوع ولا يبدو لها أثر بالوعي العام. المسؤول لا يكون تقييمه من خلال جملة في تصريح، فمن يتحدث بخطاب يدغدغ العواطف لا يعني أنه يعمل جيدا. تقييم أداء المسؤولين من خلال الإعلام فقط بدون استقصاء مهني أحد مشكلاتنا الإعلامية.



لا أدافع هنا عن هذا العضو وغيره أو المجلس، وإنما ضد الطريقة التي يتم بها تناول المسائل بحيث تهمش القضية نفسها فتصبح الكلمة هي القصة الكاملة! وبالرغم من أن هذا التصريح الصحفي نفسه يحوي مضمونا آخر مهما يستحق النقاش والمتابعة، حيث أشار إلى أن المجلس وافق على نظام «بدل غلاء المعيشة»، ورفع توصية إلى المقام السامي لإقراره قريبا. وهناك نسبة سنوية ستضاف للمتقاعدين بعد إقرار النظام، سترتبط بالإحصاءات الرسمية لوزارة المالية، والإحصاءات العامة لنسب التضخم السنوي للدولة «أسعار المعيشة»، بمعنى «إذا كانت نسب التضخم في الدولة 3% سيتم زيادة رواتب جميع المتقاعدين بنفس النسبة». كان يفترض أن يكون النقاش حول الكثير من مضمون هذا التصريح وحقيقته، وهل فعلا سيتم إقراره!؟



وحتى حوار إحدى قنواتنا الفضائية للأسف مع صاحب التصريح تناول الموضوع على طريقة تويتر، حيث يسأله المذيع: بأن المواطن يأخذ رواتب قليلة وعضو مجلس الشورى يستلم رواتب عالية! والواقع أن وظيفة في كل مؤسسات الدولة لا تصمم لشخص بعينه حتى تخلط مثل هذه الأمور بهذه الصورة، فكل الوظائف من أدنى وظيفة إلى أعلى وظيفة لها سلم ودرجات سيوجد فيها مواطن في الماضي والحاضر والمستقبل، وحكاية: ليش أنت تأخذ أكثر من المواطن العادي.. ووش سويت مشاغبة طفولية!



ثم يأتي سؤال آخر بتأثير من تغريدة كاتب اقتصادي خبير، طرح فيها إشكال آخر لا علاقة له بموضوع التقاعد حيث يطالب بفتح ملف الأجانب الذين يتقاضون رواتب أكثر من 50 ألف بالمملكة. هذا نوع آخر من الخلط الغريب، والأكثر غرابة أن يصدر من اقتصادي، ويتوقع البعض بأنه أحرص من رجال الأعمال على أموالهم وشركاتهم وتجارتهم وكأن هؤلاء الأجانب مفروضون عليهم بالقوة وليسوا اختيارا شخصيا من صاحب المنشأة تفرضه المصلحة التجارية بين طرفين. وللأسف مع تعاقب أسئلة المذيع من هذا النوع يخطئ عضو الشورى فتأتي عبارته «مواطن مين بطيخ مين»! وكان يجب عليه أن يمسك أعصابه ولا يقولها مهما كانت الأسئلة بطيخية فعلا!



بمرور السنوات تحولت مهمة التغريد لدى البعض إلى حالة تنفع تويتري يفتقد للموضوعية والرؤية.. فينخرط بالطقطقة لأجل الطقطقة على حساب مضمون القضية المطروحة، فالكثيرون لا يكلفون أنفسهم بالبحث حول الموضوع ومتابعة أصل الفكرة المطروحة ورؤية ماذا قيل بصورة كاملة ليكون نقده في إطار العدل والمنطق.



لدينا الكثير من التصريحات القديمة لو أعدت تتبعها لوجدت كيف خرجت عن موضوعها إلى سخرية أسوأ من السخرية التي وقع فيها هذا المسؤول أو ذاك التاجر، وعندما تتبع تطور هذه السخرية فإنها تتجاوز الحد المعقول، وتتحول إلى موجة من سوء الأدب والمغالطات والتهم الشخصية بالسرقة ونهب المال العام، وبعضهم لم يكن يعرف عن هذا الشخص أي شيء حتى اسمه قبل ظهور الهاشتاق بدقائق معدودة. وهذه الطقطقة لا تنتهي عند تويتر وإنما يستلمها أصحاب السناب واليوتيوب والواتس اب وغيرهم، لكن المحصلة لا شيء يفيد المواطن.



لست هنا ضد التعليقات الساخرة من ناحية المبدأ.. فهي جزء من الفضفضة الاجتماعية وضريبة أي شهرة أو منصب ولا بد أن يتحملها المسؤول وغيره، لكن المشكلة في استمرارية وتكرار تفريغ هذا النقد من مضمونه، بحيث لا يوجد شيء يرفع الوعي بالمعلومة والإشكال الإداري للتفريق بين العوائق العملية أو الناتجة عن فساد وتقصير.