طامي الشمراني

قصيدة الومضة بين القبول والرفض

الخميس - 14 أبريل 2022

Thu - 14 Apr 2022

ينطلق مفهوم قصيدة الومضة من الجذر اللغوي (ومض) أي برق، أو لمع، ويكاد المفهوم الاصطلاحي لهذا النمط من الكتابة يتماشى ويتطابق مع المفهوم اللغوي، فهي برق والتماع سريع يضيء ظلمة المعنى، لينسكب في عبارات مكثفة مختزلة موحية تجعل المتلقي يتناغم معها من دون أن يبحث عن شرح لها، وإن كنا لا ننكر وجود جذور لها في تراثنا العربي في قصيدة البيت الواحد، فإنه يمكن القول إن هذا النمط الشعري قد بدأ بالظهور والبروز مع بداية سبعينيات القرن المنصرم، وكان من روادها الشاعر «عزالدين المناصرة» الذي أطلق عليها في حينه مصطلح التوقيعة، وبذلك بدأ تشكل نمط جديد في الكتابة الشعرية يتماهى مع مستجدات العصر والحياة التي طغى عليها طابع السرعة والاختزال وهذا ما نلحظه في العقود الثلاثة الأخيرة، نتيجة سيطرة التكنولوجيا الحديثة وانتشار وسائل التواصل.

ولا شك أن أسماء شعرية كبيرة أسهمت في تعزيز هذا النمط مثل نزار قباني وأحمد مطر، وقد كانت تقنية الاختزال والتكثيف من أبرز سماتها، ومنها اكتسبت شرعية تسميتها، من دون أن ننكر أهمية سمات أخرى لا بد منها لتتسم الومضة بالشعرية، كأن تكون دفقة شعورية واحدة، واعتماد تقنية التناص وتقنية الانزياح، كما نلحظ في قول الشاعر حبيب الصايغ: (من ذا بين الطلقة والطلقة/ ينكش شَعر الأسماء/ لتكون كعادتها/ جثثا طافية فوق الماء)، لا شك أن إعادة صياغة المفردات في أسيقة جديدة عبر تراكيب انزياحية هو ما منح هذه الومضة سمة الشعرية المكثفة من إشاحة البصر عن دور القافية في

منح الومضة إيقاعية موسيقية تعزز من غنائيتها، وبقائها في ذاكرة المتلقي.

شهد النقد الأدبي صراعا نقديا حول جدوى مثل هذا النمط وأثيرت أسئلة نقدية عدة، هل يمكن عد هذا النمط شعرا؟ من خلال التأكيد أن سمة الشعرية لا تمنح إلا لقصائد ذات بينة طويلة؟ وقد رفضت من قبل البعض بحجة أنها مسايرة وتقليد للشعر الغربي؟ وقد جعلت عند البعض خارج دائرة الشعر، لا سيما عندما طغى النمط النثري عليها (قصيدة النثر)، فأدخلت في إشكالات قصيدة النثر، وهذا ما جعلها تتصارع مع أجناس فنية أخرى وتتشابك معها ولعل أبرز ما يمثل ذلك تداخلها مع القصة القصيرة جدا، مما جعل الحدود الفاصلة بينها غير قابلة للتحديد.

ومع كل هذه التساؤلات المحقة والجديرة بالنقاش، إلا أنه لا يمكننا إلا نقول إن وسائل التواصل قد عززت هذا النمط، ولا بد من القول إن التطور هو سنة الكون، لسنا ضد التجديد، ولكننا مع عدم ضياع الفواصل والحدود بين الأجناس، على الرغم من أن ما يسمى النص المفتوح بات يثير تساؤلات عدة عن جدوى هذا الفصل.

من هنا لا بد من الإشارة إلى الرائز الباقي رغم كل هذه النقاشات، سيبقى رائزا ومعيارا جماليا لا يمكن أن يزول، وهو الرائز الجمالي الذي تستطيع من خلاله الذائقة الفنية تميز الغث من الثمين، وبالتالي ربما من غير المفيد إثارة قضية الرفض والقبول على أنها الشكل النهائي للصراع الفني، وإنما الدراسة النقدية الفاحصة لفنيات القصيدة ولجمالياتها ستبقى الأساس العلمي لإظهار ميزات القصيدة وجمالياتها، والزمن سيكفل بقاء الأفضل والأجدر

tamidghilib1404@