أحمد الهلالي

بورصة الدجاج!

الثلاثاء - 12 أبريل 2022

Tue - 12 Apr 2022

أقف في آخر الطابور قبل الوصول إلى محاسب المتجر العملاق، وأفكر لماذا كلنا نتدافع يوم الراتب، ونملأ العربات بكل هذه الأطعمة وكأننا سنسافر إلى أقاصي الصحراء؟ وحين قررت أن أكون منطقيا، علا الصوت في الأمام، فأصبح الطابور بقدرة قادر أفقيا لنرى ما الأمر، فتوفر من الفضول ما يكفي لاقتلاع قدمي من مكانهما، لقد رأيت رجلا بملابس رعاة البقر الأمريكيين، وبنطلون البرمودا يكشف عن ساقين أحدهما كقوس الربابة، ولو مر هواء على قبعته لأصبحت مروحة على رأسه الصغير الذي لم يملأ فجوتها، والعجب من الفانيلة العلاقية الجيشية التي فضحت لوحي كتفيه المعلقين كالصلصال، ونتوءات فقراته العلوية كأعقاب فناجين القهوة السعودية، كان صوته حادا جدا وهو يماري المحاسب، وحين التفت إلينا لم يخف قمر الشاب السبعيني مصلح!

التفت إلينا وقال: هل يرضيكم؟ الرجل الذي كان أمامي حاسب عن مشترياته من الدجاج بـ 25 ريالا للحبة، وجاء تحديث الأسعار من الشركة (على حظي) فاحتسب ذات الدجاجات بـ 31 ريالا للحبة، بفارق 6 ريالات في أقل من دقيقة، ما هذا يا قوم؟ فقال المحاسب: يا رجل لن نجبرك على الشراء، إما أن تشتري وإما أن تترك المجال للآخرين. فانبرى رجل من بين الواقفين وقال: أرجوك افتح الطريق قبل أن ترتفع المنتجات الأخرى!! فقال مصلح: لن أتزحزح حتى أحاسب مشترياتي بالسعر القديم، فما دمت تجاوزت الخط الأحمر فقد دخلت في منطقة الحساب، وتشملني الأسعار القديمة!

حضر رجل الأمن ومدير المبيعات، وحاولا إقناع مصلح، لكنه رفض، فورد اتصال من إدارة المتجر بصواب رأي مصلح، فأومأت له أن أضع دجاجاتي معه فغمز بعينه، وهرولت إليه خفية وألقيت بها خلسة، وحين خرجنا من المتجر لم أجد مصلح، بحثت عنه في كل الأرجاء، لكنه اختفى، وذهبت دجاجاتي أدراج البطون!

في الطريق إلى البيت حسبت مصروفات الدجاج بالأسعار الجديدة، فوجدتها باهظة إلى درجة أني استرخصت سعر اللحوم مقارنة بها، فاشتريت خروفا سواكنيا ضخما، وفرمت منه ما تيسر، وقطعت الباقي، وتصدقت برأسه لكيلا تعلم أسرتي شيئا عن نوعه، وجاءت الخطة كما أردت، وكان عشاء المقلقل فاخرا.

في اليوم التالي قررت البحث عن الدجاج في بقالات الأحياء، فوجدتهم رفعوا أسعاره من أمس، فقلت في نفسي سأسبق الأخبار إلى القرى، وأجمع ما أستطيع جمعه من الدجاج، فوجدت أسعاره 33 ريالا، فعلمت أن ذكائي يمكن أن يكون في أي شيء إلا في ملعب رجال المال والأعمال، واكتفيت بحيلتي على أسرتي، وحين ذهبت إلى الاستراحة وجدت مصلحا جالسا يحكي للأصدقاء عن رحلاته في جنوب السودان مع مصوري ناشونال جيوغرافيك، وحين رآني امتقع وجهه وابتسم ابتسامة صفراء، فأنا أعلم أنه لا يملك جواز سفر أصلا!

تحدثت مع الأصدقاء عن أسعار الدجاج ومغامراتي، فقال مصلح: أشكرك، لقد كنت شهما حين منحتني تلك الكمية من الدجاج، كان (الباربكيو) شهيا، وقد دعوت لك أن تجد دجاجا أرخص، فقلت له: علمت الآن لماذا لم أجد دجاجا؟! ثم قال مصلح: تخيلوا يا إخوان أن أسعار كل شيء الآن باتت تخضع للتحديث كل ساعة كأسعار بورصة النفط والذهب والفضة، وأنت وحظك! لكن المستحيل أن تجد تحديثا يخفض الأسعار، ولو خير التاجر بين إتلاف المخزون، وتحديث السعر بأقل من السابق لاختار الإتلاف، ثم وقف على قدميه وقال: أيها الأصدقاء علينا أن نحيي مزارعنا، ونربي المواشي والدواجن، والأهم من ذلك كله أن نقتصد في الطعام والشراب، فلم أسمع بأشقى ممن يأكلون كثيرا، ويرهقون جسومهم وجيوبهم في حرق ما أكلوا، أو يستلقون تحت مشارط الجراحين لقص البطون، ومص الدهون!

@ahmad_helali