محمد عبدالعزيز الحارثي

كيف أستمتع برمضان وأتلذذ بالعبادة؟

الخميس - 07 أبريل 2022

Thu - 07 Apr 2022

الفرح لذة في القلب وهو أعلى أنواع نعيم القلب ولذته وبهجته كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى، فالقلب الفرح يتلذذ صاحبه ويستمتع بالحياة وجمالها ويصبح خفيف النفس منشرح الصدر إيجابيا منتجا متدفقا بالعطاء، لكن الفرح في القلب منه ماهو موقت لا يستمر ومنه الدائم؛ فالموقت كالذي يسافر إلى أجمل الأماكن فيفرح قلبه ويستمتع بالجمال، وبعد تكرار السفر سرعان ما تذهب تلك الفرحة ثم يكلم نفسه أو من حوله بقوله (أوف طفشت من السفر لتلك البلاد ابروح دولة ثانية) وهكذا..!

هناك نوع آخر من أنواع الفرح قبيح ومذموم كمن يفرح بمعاصيه أو بشركه أو بجرمه قال تعالى: ﴿حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون﴾، أما الفرح الدائم المستمر هو الفرح بطاعة الله وعبادته والإنابة إليه، فالقلب الذي يفرح بأوامر الله والابتعاد عن نواهيه ويشتاق لمواسم الطاعات والرحمات تدوم فيه الفرحة.

يذهب المؤمن للعمرة ويكررها مرارا وتكرارا بنفس الأركان والواجبات ولا يمل منها بل يفرح بها ويرتاح، قدوته في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه فلم يشتك ولم يمل بل يزيد في الصلاة والطاعة لأنه ذاق طعم حلاوة الإيمان؛ تقول له عائشة رضي الله عنها: لم تصنع هذا؟! فيقول لها: أحب أن أكون عبدا شكورا.

إن الفرح الدائم المستمر فرح الطاعة والعبادة إذا استقر في قلب المؤمن اطمأن وارتاح واكتسى بالبركة وراحة البال واستمرت لذة السكينة والرضى والاطمئنان حتى وإن واجه في الحياة منغصات وابتلاءات، وهذا النوع من الفرح لا يحصل عليه إلا المؤمن التقي النقي.

من أراد أن يفرح بالعبادة ويستمتع بحياته فليقلع عن كبائر الذنوب ولا يصر على صغائرها، كيف يفرح بالعبادة من يخون أمانة عمله ومنذ أن يحضر للدوام حتى الانصراف (يدق اللطمة وينام) ولا يقوم بأداء الأمانة، وإذا خرج من عمله خرج غضبان وربما سب وشتم من يزاحمه في الطريق بالسيارة؟!

كيف يفرح بالعبادة ويسير في طريق التقوى من يجاهر بالمعصية ويدعو إلى الرذيلة والانحلال في القنوات الفضائية ووسائل السوشل ميديا؟! قال تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، هل يفرح بالعبادة من يرتكب كبائر الذنوب من غيبة ونميمة وكذب؟! بل أن بعضهم يجمع الناس في قروبات الواتس اب ويمارس الكبائر من سخرية واستهزاء ببعض ولا يكتفون بهذا نثرا بل يتحاورون شعرا في ليالي رمضان محاورة مليئة بالهمز واللمز والقذف والمصيبة أنهم يضحكون بعد محاورتهم وكأن شيئا لم يكن! إنها قسوة القلوب.

هل تفرح برمضان وبالعبادة والطاعة الفتاة التي تقل حياءها وترخص نفسها وتستعرض بجسدها في وسائل الإعلام كاسية عارية ما حافظت على قيمها ولا على هويتها الوطنية؟! أقول لهؤلاء وأمثالهم كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار).

من أراد أن يفرح بالعبادة ويستمتع بحياته فليملأ قلبه بالرضى، قال صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس) ابن القيم -رحمه الله تعالى- عبر عن الرضى بكلام جميل يقول: «الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، ومستراح العارفين، وحياة المحبين، ونعيم العابدين، وقرة عين المشتاقين».

من أراد أن يفرح بالعبادة ويستمتع بحياته فليعمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون اللَّه ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).

خلاصة القول: لن تستمتع بحياتك وبالجمال والنعم حولك إلا إذا استمتعت وتلذذت بعبادة الله وطاعته، قال ابن القيم: «فإن سرور القلب بالله، وفرحه به، وقرة العين به، لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا البتة، وليس له نظير يقاس به، وهو حال من أحوال أهل الجنة».