مرزوق بن تنباك

التراث من الداخل

الأربعاء - 06 أبريل 2022

Wed - 06 Apr 2022

أهم ما ينمو به الفكر هو المراجعة والتنقيح والتعهد لما يطرح الناس من آراء ومعتقدات وما يعرضون على العقل ويعملون به المنطق فيما يكتب الكاتب أو يروي الراوي وحتى ما تحمله المدونات المعرفية القديمة التي هي مخزن الثقافة الكبير من نصوص يتراكم العمل بها ويعاد تكرارها في مناسبات كثيرة مختلفة الزمان والمكان والأحوال والظروف التي كانت تلك الآراء نتيجة لها ومعتمدة عليها، وإن كنت لا أحبذ التكرار ولا العودة لما أكتب لكن مقال الأسبوع الماضي الذي جاء تحت عنوان (منجم التراث ومنجم الطبيعة) كانت التعليقات عليه لافتة للنظر ومختلفة مع ما طرح المقال من رأي فقد جاء عدد من التعليقات في حسابي في تويتر على أنواع.

النوع الأول: مع المقال ومع ما جاء به مؤيدين ومحبذين فكرة تنقيح التراث واختيار ما يصلح الاستشهاد به للحاضر والمستقبل، وهم عدد كثير يرون أن ما عرضه المقال صواب وفي مكانه وتراثنا يحتاج إلى الغربلة وحسن الانتقاء لمن يريد أن يجعل التراث مرجعا يعتمد عليه ويأخذ منه وهو لا ينقص التراث حقه ولكنه يستدرك عليه ويقومه ويرجو أن يكون نخل التراث في صالحه وذلك أمر مشروع البحث فيه والحديث عنه.

النوع الثاني: يرون أن تسليط الضوء على ما في التراث من سلبيات وتصيد النقص والضعف الذي لابد أن يعتري العمل البشري مهما كان ظلما للجميل والحسن والمشرق الذي يحمله تراثنا العظيم وإبراز بعض ما كان فيه من الأخطاء عدوان على ما فيه من ماض مجيد لا يمكن أن يعرض للمساءلة مهما كانت الملاحظات وأهميتها ويرون احترام الماضي وتقدير جهود السلف الذين اجتهدوا في زمانهم مقدرين حال الماضي وظروف أهله وحاجاتهم التي كانت صالحة في حينه. وأنا أشكر هؤلاء وهؤلاء.

النوع الثالث: لكن الذي جعلني أعود للحديث في هذا المقال هو عدد من التعليقات وهم الذين خرجوا عن الموضوع وذهبوا إلى المقارنة مع ما في التراث موضوع المقال إلى ما لدى الأمم الأخرى وما في الثقافات الموازية من أشياء ومتناقضات، وتحدثوا عن ما في تلك الثقافات من سلبيات ومآثم وكأنهم يبررون ما على تراثنا من ملاحظات على ما لدى الثقافات الأخرى من نقص.وهذا هو الموضوع الذي استوقفني لأعرض بعض التوضيح؛ فاستعراض ثقافات الناس والأمم وما فيها من أخطاء لا يمكن أن يكون مبررا لما في ثقافتنا من ملاحظات يحتاج المرء إلى مناقشتها مع أهل الثقافة نفسها وليس مقارنا لها بثقافات غيرها وليس هناك وجه للمقارنة ولا حجة في ذلك.

وهذا النوع من الدفاع والتبرير هو أمر تعاني ثقافتنا ويعاني مثقفونا منه أشد المعاناة فما يكاد يطرح إنسان أي موضوع خاص بنا وبشؤوننا الفكرية والثقافية حتى ما في التاريخ والاقتصاد إلا وينبري قوم إلى الانتقال مما يخص المحلية التي يتحدث عنها المتحدث إلى المقارنة فيما عند الأمم الأخرى والشعوب التي تعيش في مشارق الأرض ومغاربها وما لديهم من عادات وما في ثقافتهم من أخطاء وما يرونه فيها من سيئات وموبقات.

هذا النوع من المحاولات ونقل الموضوع الذي يناقشه الكاتب إلى موضوعات لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالأصل الذي يطرح للمحاورة يعد خللا في المنطق الجدلي وتجاوزا لتحرير المشكلة ووضعها في الإطار الطبيعي لها وهو تشويش على الأسس العامة التي يبني الكاتب عليها أطروحته ومعالجته للخلل المقصود إصلاحه.

Mtenback@