عبدالله قاسم العنزي

تكييف الخلع فقها ونظاما

الاثنين - 04 أبريل 2022

Mon - 04 Apr 2022

من الطبيعي أن يطرأ على الحياة الزوجية أمور تنافي الحكمة من مشروعيتها فقد يتزوج الرجل امرأة ثم يتبين أن بينهما اختلافا في الأخلاق وتنافرا في الطباع فيكره الرجل زوجته أو تكره المرأة زوجها، وإذا تضاعف البغض بين الزوجين، بينت الشريعة الإسلامية أن بعد الوصول إلى هذا التنافر يكون التسريح بإحسان.

ولقد بات واضحا ومستقرا أن من مقتضيات العدل أن يمكن كل واحد من الزوجين من الاختيار قبل الزواج وبعده فكما أعطى الإسلام للرجل حق الطلاق وهو نوع من الاختيار لبقاء الزوجية أو إنهائها كذلك أعطى المرأة حق افتداء نفسها من زواج لا يحقق لها الاستقرار المنشود وهو أيضا نوع من الاختيار لما بعد الزواج، حيث لا يعلم أغلب العوام عن حكم الخلع الذي كفل للمرأة حق طلب الفراق من زوج لم تعد راغبة في مواصلة العيش معه؛ لذا نص المنظم السعودي على الفصل الثالث والذي يشمل ثمان مواد وضحت أحكام الخلع الذي عرفه في المادة الـ95 من نظام الأحوال الشخصية بأن الخلع هو فراق بين الزوجين بطلب الزوجة وموافقة الزوج مقابل عوض تبذله الزوجة أو غيرها، وعليه نبين أحكام الخلع فقها ونظاما على النحو التالي:

أولا: إن الخلع في الشريعة الإسلامية مشروع كما عبر بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون».

والمبدأ الذي دلت عليه الآية الكريمة الخوف من إقامة حدود الله أي استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه أو أنها كارهة له لا تطيق عشرته لسبب يخص مشاعرها الشخصية فلا يجبر الشرع المرأة على العيش مع شخص لا تتحمله وفي نفس الوقت لا تضيع على الرجل ما أنفق بلا ذنب، وبالمقابل على الزوجة أن تختلع بالتنازل عن مهرها ليطلقها الزوج فلا إثم عليه في أخذه للفداء ولا إثم على الزوجة في بذله.

وقد جاء في الحديث أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: «يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام!؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة «فمن الحديث الثابت أن المرأة الصحابية لا تريد مفارقة زوجها لسوء خلقه ولا لنقصان دينه، وإنما هي كرهت التقصير فيما يجب عليها من حق زوجها بسبب بغضها.

ثانيا: لقد وضح المنظم السعودي في نظام الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/73) وتاريخ 6 / 8 / 1443هـ بأن للمرأة الاختلاع من زوجها سواء ذلك كان صلحا بينهما دون الدخول إلى أروقة القضاء أو المخالعة بحكم قضائي، وبينت المادة الـ98 من النظام بأن الخلع يقع في أي حال كانت عليه الزوجة، بما في ذلك حال حيضها، ونفاسها، والطهر الذي جامعها زوجها فيه، وبينت المادة الـ99 من النظام أنه لا يقع الخلع إذا كان بغير عوض، فإذا خالع الزوج زوجته بلا عوض فلا يعد خلعا، وتطبق أحكام الطلاق؛ لذا يذهب المنظم السعودي على أن الخلع يعد فسخ للرابطة الزوجية وحق للزوجة تطلبه متى شاءت بإرادتها المنفردة وحينئذ يجب على قاضي الموضوع أن يحكم لها بمجرد طلبها وعرضها مالا مقابل الخلع دون اعتبار لإرادة الزوج، أما من حيث المال أي بدل الخلع فإنه خاص بالزوجين معا فإذا لم يتفقا عليه تدخل القاضي لتقدير مقابل الخلع وحكم بعدها بالفراق بين الزوجين خلعا.

ختاما: إن كل ما صح اعتباره مالا صح أن يكون عوضا في الخلع، ولا يجوز أن يكون العوض إسقاط أي حق من حقوق الأولاد أو حضانتهم وإذا كان عوض الخلع هو المهر فيقتصر على تسليم ما قبض من المهر، ويسقط ما بقي منه ولو كان مؤجلا.

expert_55@