ريما رباح

الخصخصة (كدا.. كدا)!

الاثنين - 04 أبريل 2022

Mon - 04 Apr 2022

«القطاع العام ليس هو الحل.. القطاع العام هو مشكلتنا»!! هكذا صرح أحد المدراء في وصفه لمسار التعثر في عملية الخصخصة غاضبا.

آليات السوق في الاقتصاد الحر ذات ميزة خفية تدفع المنافسة لتبني السياسات الأمثل والممارسات الفعالة، ولذلك نجد القطاع الخاص أعلى كفاءة من القطاع العام وهو ما يدفع الحكومات إلى الخصخصة حول العالم، وعلى التماثل بدأت في عام 2016 عجلة تطوير الرياضة باعتماد خطة الخصخصة للأندية الرياضية السعودية ونصبها الهدف التاريخي وهو الارتقاء بتصنيف دوري الأمير محمد بن سلمان ليتبوأ مركزا ضمن أفضل (10) دوريات عالميا مع وصول المنتخب الوطني إلى البطولات الكبرى وكأس العالم؛ فوضعت خارطة طريق لتحقيق الاستقرار في الدوري المحلي وتنميته لتصبح صناعة كرة القدم السعودية أكثر استدامة وإشراقا، فهل وصل القطار إلى المحطة في (2020) كما كان مقررا؟ وإذا لم يكن فهل فيروس كورونا هو السبب الوحيد للتأخير؟.

ويسألونك عن الخصخصة

‏هي تحول الملكية، عملية بسيطة لتبادل الأصول والخصوم المالية من القطاع العام إلى القطاع الخاص، وميزان رأي الأدبيات الفكرية هنا قائم على كون الملكية الخاصة أكثر كفاءة، فالأساس المنطقي للخصخصة محوره الصعوبة الملحوظة في إصلاح الشركات المملوكة للدولة وفي الحفاظ على إصلاحها بسبب مشقة التنظيم وتعقيد البيئة المؤسسية، بينما ترجح كفة مجالس الإدارة في الشركات الخاصة لكونها أكثر التزاما بقواعد الحوكمة وأعلى كفاءة اقتصادية في استثمار الأصول المالية للكيانات بسبب حافز الربحية، ومن أهم إيجابياتها الاقتصادية رفع كفاءة الأداء وإرساء إدارات فعالة وزيادة المنافسة وتحسين البيئة الجاذبة للمستثمرين من خلال فك الاحتكارات الحكومية، وتتبنى الحكومات الخصخصة لتعزيز وضعها المالي لهدفين: الأول (تخفيف أعباء الميزانية) والثاني (زيادة الكفاءة).

البنية المنطقية للخصخصة

من الثابت أن الأداء الأفضل للمدراء هو في ظل الملكية الخاصة، بداية بسبب الملاءمة بين مؤهلاتهم ومسؤولياتهم والمواءمة بين مرتباتهم وحوافزهم مع كفاءاتهم وأدائهم وهو غير الحال في القطاع العام المرتبط بالكوادر الوظيفية والبنود الثابتة، وتاليا لأن التركيز في الجهد والعمل واتخاذ القرارات في القطاع الخاص مرن فهو منصب على بلوغ الأهداف وليس على الانشغال بالتدقيق في الآليات وتجميد القرارات ضمن هيكل البيروقراطية، وأخيرا لكون صرف المال في القطاع الخاص يخضع لمعايير مشددة في رفع الكفاءة لمواجهة تحديات السوق بينما يمر بشكل سلس طالما أنه استوفى الشروط وكان ضمن الميزانية المخصصة للإدارة الحكومية.

المتاهة بين قطاعين خاص وعام

‏أهم ثلاثة عيوب في القطاع العام هي تدخل ذوي المراكز والنفوذ والضغوط الحكومية في القرار بدلا من إنفاذ الحس الاقتصادي والتجاري السليم، ووجود تباين في الأداء فحتى المدراء الناجحين في القطاع الخاص لن يرغبوا في الاستثمار في تحسينات البنية التحتية المفيدة على المدى الطويل؛ لأن جل همهم العوائد المادية خلال مدة خدمتهم، ولا تفوتنا متلازمة التكدس وتواضع الكفاءة إما بفائض غير مجد من الموظفين أو بموظفين غير كفوئين.

‏هنا نأتي إلى المقارنة على مستوى ثلاثة محاور فنجدها كلها تصب لصالح القطاع الخاص، انطلاقا من تفاني المدراء في الإنتاجية لتحقيق الربح؛ لأنهم يتلقون حوافز مادية عند النجاح، واستمرارا عند صرف المال كونه يتبع معايير مشددة، وانتهاء بالأهم وهو أن الإدارة دائما تقع تحت ضغوط المساءلة وسحب الثقة أو الاستحواذ عند الفشل. أما في القطاع العام فلا توجد حوافز للمدراء والإنفاق المالي يتم بشكل روتيني حسب البنود المعتمدة ولا تعاني الإدارة من ضغوط الملاك أو المساهمين ولذا فالأفضل والأسهل على هذه الإدارات أن تكون غير فعالة.

‏دوري المحترفين السعودي SPL



تمتلك الحكومة الأندية الرياضية السعودية بما في ذلك الأندية في دوري المحترفين السعودي (SPL) بدأ الدفع نحو خصخصة أندية SPL بشكل جدي في أبريل 2016 مع إعلان رؤية 2030 والهدف الاستراتيجي هو تنويع الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على عائدات النفط، وفي أبريل 2018 وافق مجلس شؤون التنمية الاقتصادية CEDA على (برنامج الخصخصة) والنقطة المحورية هنا هي أن وثيقة البرنامج تؤكد أن (خصخصة هذه الأندية) هي عنصر أساسي في الشريحة الأولية من المشاريع (المقرر الانتهاء منها بحلول عام 2020)!

‏الالتزامات الكبرى في أندية SPL للدوري السعودي أولها أن المملكة ملتزمة بمواصلة الزخم نحو خصخصة الأندية، وثانيها أن خصخصة الأندية مشروع رائد لعرض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التقدمية لرؤية 2030 مع توقعها كأداة تسويقية قوية لجذب العلامات التجارية والمستثمرين الدوليين، وثالثها حرص المملكة على تنمية وتطوير صناعة كرة القدم، حيث الإمكانات الهيكلية ضخمة؛ فهي الرياضة الأبرز في المملكة.

(فشل الخصخصة) في الأندية الرياضية له تبعات ضخمة قد تصل حد الانهيار الهيكلي الداخلي من خلال شيوع تحكم الميول والفوضوية التنظيمية وتفشي الجشع والطمع وممارسات الفساد بأشكاله الإداري والمالي والفني وغيرها وهو ما تتصدى المملكة في محاربته بكل حزم وعزم وقوة، فمن المهم إذن دعم مكونات البنية التحتية والتخلص من سموم المفاهيم الخاطئة في المؤسسات الحكومية البطيئة غير الخلاقة، وإطلاق العنان لقوى السوق لجعل الأندية المستهدفة أكثر كفاءة.

‏الوهن الاقتصادي

‏نظام الخصخصة البطيء قد يجهضها ويوصلها إلى الهزال الاقتصادي، بيع الأصول العامة له تأثير فوري في خفض العجز المالي ورفع نمو الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الرفاهية الاقتصادية، الفشل هنا حاجز يمنع عائدات البيع وسداد الديون المستحقة ويفقد الأرباح المستقبلية من الميزانيات القادمة.

‏خصخصة الاحتكارات المملوكة للدولة يجب أن تتزامن جنبا إلى جنب مع المفاوضات للبيع وإلغاء القيود ودعم دخول المشترين الجدد، وهذا هو الشرط الأهم لتحسين الكفاءة والبيئة التنافسية في أي مجال سواء الاتصالات أو توزيع المياه أو الأندية الرياضية.

‏الفرصة الذهبية

‏الرسوب في اختبار الخصخصة هنا له تداعيات تبدأ ولا تتوقف؛ فلا تنحصر في القيمة السوقية والحالة المزاجية العامة للجماهير، وهو أمر ليس باليسير؛ لأنه ينعكس على الصحة والسعادة والثروة المجتمعية، إنما أيضا ستتجاوزهم إلى الرياضة السعودية وسمعة البيئة التنافسية عالميا.

‏الإدارة الاستراتيجية لا تعمل في المجهول، حدد الحفر المهملة وقم بإقفالها، لا تقع في قاع بئر جافة مهجورة؛ فأنى حينئذ رافعة إنقاذية استثنائية وأيان الإنقاذ الدرامي أو الحادث المميت، تلك مغامرة عالية الخطورة؛ فإذا سلمنا بشكل خيالي بأن الموارد والطاقة لا تنضب.. يكون السؤال: (هل الوقت يسمح؟)

وإن تأخرنا أكثر فقد لا نستطيع أكثر، هذا إذا كان الهدف أن تكون رياضتنا (كدا.. كدا)!!