زيد الفضيل

من أم القرى إلى مكة

الأحد - 03 أبريل 2022

Sun - 03 Apr 2022

احتفى المشهد الوطني بالأمس القريب وبرعاية كريمة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتشريف سمو أمير منطقة مكة المكرمة الأمير الشاعر خالد الفيصل، بالذكرى المئوية لـ»جريدة أم القرى» التي تأسست بأمر من الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- في جمادى الأولى من عام 1343هـ، وواقع الحال فقد كان احتفالا بهيجا طرّزه الملك سلمان بمقال خاص تم نشره في عدد مميز للجريدة بعنوان «أم القرى اسم عزيز على قلوبنا»، وكان مما أشار إليه يحفظه الله بأن الجريدة «لم تتوقف عن الصدور خلال سنوات عمرها، فقد واجهت معظم الصحف أزمة توفر الورق خلال الحرب العالمية الثانية، فاحتجبت عن الصدور لأعوام، وواجهت أم القرى الأزمة ذاتها، إلا أن الملك عبدالعزيز أمر بمعالجة الموضوع على الفور، وتم توفير ورق بعد جهد من البحث، ولم تتوقف الجريدة عن الصدور؛ لتكون صوت البلاد في خدمة الإسلام، لا سيما في مراحل صدورها الأولى».

هكذا كان وعي الملك المؤسس بأهمية أن تبقى الجريدة شامخة وألا تنحني لأي ظرف من الظروف، وهو إيمان ينبئ عن إدراك بعظيم الكلمة وقوة دورها في تشكيل وعي الناس، وفي الذود عن الوطن، فالكلمة كالرصاص أيضا، يكون لها دوي كبير حيث تقع، ولها مفعولها الساحر أيضا، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

وهو وعي الملوك من بعده وصولا إلى هذا العهد الذي كان ولا يزال الملك سلمان متربعا فيه عرش الصحافة والإعلام، وكان ولا يزال أكثر الساسة وعيا بقيمة الكلمة ودور منصات ومؤسسات الصحافة والإعلام في تشكيل وعي الجمهور سلبا أو إيجابا، ولذلك اهتم -يحفظه الله- بمتابعة ما يجري في أروقة صاحبة الجلالة، ليصبح صديقا حميما لكثير من الكتاب والصحفيين الوطنيين والعرب وغيرهم، وكانوا هم بالمقابل على علاقة ودودة به.

ولعمري فإن مقاله الافتتاحي لعدد «جريدة أم القرى» النوعي ليؤكد ما أرمي إليه وأقوله، مع الإشارة إلى متانة الجهد الذي قام به محررو الجريدة بإشراف الصحفي الواعد أشرف ابن الصحفي الكبير خالد الحسيني، وكأني بالراية مستمرة يحمل شعلتها الأبناء من بعد الآباء، وذلك هو ديدن هذا الوطن المعطاء الذي يتولى شأنه خير خلف لخير سلف.

في هذا السياق أشير إلى لحظة تأمل شاردة، ذهبت بي بعيدا، وأنا أرقب تفاصيل حفل الاحتفاء الذي تشرفت ولفيف من الزملاء بحضوره، كتابا وصحفيين وإعلاميين ورجال دولة، جاؤوا جميعا ليحتفلوا بلحظة التأسيس والولادة، وليؤكدوا ربط حبل المشيمة القدري بأولئك الرواد المؤسسين في وطننا، لنقول للعالم بأننا لسنا مجتمعا ناشئا لا تاريخ له ولا تراكم حضاري ومعرفي، بل نحن من أولئك امتدادا ومسيرة ومنهجا. وأصدقكم القول فإن سِنة من نوم قد أخذتني دون اختيار وإرادة لأرى فيها شعاعا ممتدا من جريدة أم القرى إلى جريدة مكة، مرورا بتلك المؤسسات الصحفية الرائدة، وأولئك الرواد من الكتاب وأساطين الصحافة، فتضوع صدري بقدر واسع من الفخر والاعتزاز، لأفتح عيني فزعا من خوف كبير بأن ينقطع ذلك الإشعاع ويتوقف سيره في عهدنا، وكم أخشى ذلك قولا وفعلا.

إنه الامتداد والتراكم الذي لا يأبه له البعض، ولا يدركون أهميته، على أن الأسوأ والأكثر إيلاما حين يكون ذلك من بعض مسؤولي هيئات الإعلام. ولعلي أهمس بصدق قول لمعالي وزير الإعلام مشيرا إلى أن السماح بسقوط مؤسساتنا الصحفية الوطنية بحجة عدم الحاجة إليها، لهو من أكبر الأخطاء المصيرية التي نقترفها دون وعي، فالعاقل لا يتخلى عن عباءته حين يغيب الشتاء.

وأقول ذلك ولا مصلحة لي أو فائدة، إذ يعلم الجميع أننا معشر الكتاب ومنذ بضع سنين لا نتقاضى أي مكافأة مالية مع كونها حقا مستحقا، لكن ذلك لم يمنعنا من الاستمرار في أداء واجبنا الرسالي، إيمانا بأهمية الكلمة ودورها حتى لو لم يتسن لشبابنا سماعها في ظل ما هم فيه من ضجيج ولفت انتباه صوب أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع.

في هذا السياق كم أرجو -ومن باب المسؤولية المجتمعية- أن تقوم وزارتا الثقافة والإعلام بالتنويه عبر مساحات الإعلان المختلفة، ومنها المعروضة في الطرق الرئيسة، عن مختلف المجلات المعرفية كالمجلة العربية، ومجلة الفيصل، ومجلة آراء حول الخليج، حال صدورها، لا سيما وأنها لا تزال صامدة بالرغم من حالة التجاهل المجتمعي إزاءها. فهل إلى ذلك سبيل؟

zash113@