عائشة العتيبي

على عجلة من أمرنا..!

الخميس - 31 مارس 2022

Thu - 31 Mar 2022

ماذا لو كنا ننتظر قليلا! ولماذا لا ننتظر؟ نطلق كل شيء بسرعة فائقة وكأن القضية مغلوب ومنتصر، وكأن الأقوى هو الفائز، لماذا لم نحسن أدب الحوار ونتجاوز بعض الأمور التي لا تتطلب الرد أو على الأقل تدوينها ومن ثم التعقيب عليها لاحقا، لماذا كل هذه العجلة وكأن الأمر حسم أشبه بمحطة قطار لا تحتمل التأخير بتاتا، وكأن البحر سوف يكتظ بمن حوله غرقا، هناك أفكار من الأفضل استرسالها وقولها بشكل كلي حتى تتضح كل محاور الموضوع ووجهة النظر فيه، وثم يأتي مسألة الاتفاق أو الاختلاف، الأمر أسهل من تلك الفوضى التي نلاحظها في حواراتنا ومجالسنا وأحاديثنا بين أكثر من شخصين أو ما يزيد.

البعض يكره الانتقاد! لكن حين تضع محتوى الموضوع فهو ليس جدال لمسألة شخصية بل هو يحوي على فكرة أو معتقد أو رأي عام؛ فلا يحق لك بأن تمنع غيرك عن مسألة النقد وإبداء الرأي فيه، لابد أن ننظر نظرة واسعة وبأنه مسألة مشاركة، وليست مسألة فرض قرار ورأي بالإجبار، ثم تحكم بأن القرار مسألة تعنيك فقط وليس للبقية أي حق بالرد عليه، وحتى تبين لنا أنها حرية لك ومسألة تخصك فقط ولابد أن لا يكون هناك اعتراض لأحد عليه.. عفوا!! أنت حين تعرض صلب القضية لا يحق لك بأن تمنع غيرك من التحدث والرد والنقد.

التحدث والنقد مسألتان تأتيان لنا من أشخاص على هيئة فكرة، ويقومون بتفسيرها بعيدا عن مدى صحتها أو عدمها، ثم يبدون رأيهم بها ويناقشون فكرتهم كليا، لابد أن تعلم أن المُحاور يضع لك فكرته ومحتواه حسب الموضوع المطروح، وليس كناصح أو مهتم بشأنك؛ لذا عليك أيها المناقش أن تكون أكثر هدوءا واستماعا لكي تعطي غيرك حرية في التحدث والمناقشة بما يرى من تصور ومنطق رسمه بين محيط عقله وتفكيره واعتقاده بما يرى.

لابد أن تدرك بأن الطرف الآخر لا يأتي إليك كي يفرض رأيه بأن فكرتك التي قلتها خطأ بل يناقش فكرة قد تكون معاكسة لما تراه أنت أو مختلفة قليلا عن منطقية ما تفكر، حسن النقاش أسهل ما يكون، ولكن من يثيره حقا هم أصحاب الجدل والمتذمرون والجهلة في أدب الحوار والاستماع للطرف الآخر.

هناك نوع آخر من الأشخاص يرى بأن يقول فكرته دون احترام للطرف الآخر سواء في عقيدته الدينية أو مرحلته العمرية ثم يبدأ في الشتم والسب والإهانة ويريد من الطرف الآخر الالتزام بالصمت عجبا لهذا النوع..! فمن الأدب في النقاش احترام الطرف الآخر دون إسقاط أو تقليل، وإلا من سيسمع لك إذن؟ حين تحاور سوف تحاور الشخص الذي أمامك بعقليته وأفكاره ودينيه وفطرته وقلبه وجميع جوارحه في النهاية لا أحد يحب التقليل من قيمة الآخر، كما أن الإسقاط في الدين من أبشع الأمور التي تعتبر إهانة ليست لنا بل لمن أوجدها حتى نحيا بها، إن معتقداتنا الدينية ومقدساتنا هي أهم الأمور التي لا نحب أي شخص كائنا من كان أن يسقط عليهم فهي حق علينا أن ندافع ونقف أمام كل شخص يسقط ويشتم ويسخر بطريقة غير لائقة، حسن النقاش يدار دون إهانة وتقليل وإسقاط؛ فاحترام العقول وأصحابها وبما يحبون ويكرهون أمر واجب لمن يدير الحوار أن يلتزم به ‏ويحترمه حتى تعم الفائدة.

ماذا لو أننا ننظر بعمق وننتظر قليلا! ماذا لو أننا نكون في حالة صمت يهيء لنا حسن الاستماع ودقة التركيز، لماذا كل شيء يأتي على عجلة من أمرنا! وكأن هناك ‏حربا ثائرة اشتعلت بها النيران المتأججة والأقوى في إخمادها هو المنتصر.

3ny_dh@