نايف الضيط

السعادة المؤسسية

الأربعاء - 30 مارس 2022

Wed - 30 Mar 2022

لطالما سعى الإنسان على مر العصور إلى البحث عن السعادة، وانشغل الفلاسفة والأدباء عن البحث عن غاياتها، وحتى يومنا ليس هناك اتفاق على مفهوم السعادة، يقول الفيلسوف الإنجليزي «دافيد هيوم» الناس لا يمتهنون الحرف أو يقتنون التحف، أو يبتكرون اختراعات، أو يسنون التشريعات، أو ينشرون العلوم أو يتأملون النجوم إلا بهدف الوصول إلى السعادة. فالسعادة مفهوم مجرد، هدف يتطلع الجميع إلى بلوغه؛ إما بالكد والعناء أو المال والثراء، أو الضحك والغناء.

السعادة في بيئة العمل لم يكن مفهوما موجودا قبل سنوات، وبسبب التطور في التقنيات وتنوع الوظائف، والتعقيد في بيئات العمل، وبروز نماذج عالمية لكبرى الشركات التي تتبنى السعادة والاهتمام الجسدي والعقلي والعاطفي للمهنيين إدراك منها بأن السعادة تعزز الميزة التنافسية للمؤسسات؛ مما يزيد في ولاء الموظفين ورضاهم ويسهم في زيادة انتاجيتهم وتحسن حالتهم الصحية، ولم تعد الحوافز المالية لتشجيع الموظفين طريقة كافية لكسب رضاهم، وأصبح التركيز على السعادة كنهج لا غنى عنه في مكان العمل.

تستثمر الشركات المبتكرة في رفاهية الموظفين برعاية أسرهم، وإعطائهم الحرية في اختيار مكان عملهم والمرونة في التوقيت، وفريق العمل الذي يعملون معه. وبحسب مركز أبحاث الرفاهية في جامعة أكسفورد فإن عوامل السعادة في العمل تأتي من تقدير إنجازات الموظف، وتطوير مهاراته، وتقاضيه الراتب المناسب، وتشجيعه من قبل المرؤوسين، وإعطائه الثقه والمرونة في العمل.

السعادة المؤسسية تزيد المبيعات وتقلل استقالات الموظفين والتكاليف المالية على المؤسسات، تقول مؤلفة كتاب ميزة السعادة «شون أكور» «إن الشركة التي لديها موظفين سعداء يمكن أن تزيد مبيعاتها بنسبة 37 %، والإنتاجية بنسبة 31 %، مما يسهم بشكل مباشر في بناء بيئة عمل عالية الأداء وتحسين جودة الحياة لجميع المشاركين في العمل.

لا يمكن تحقيق رضا الموظفين بالهدايا والفعاليات الترفيهية أو بكمية تدفق المعلومات باتجاه واحد من الأعلى إلى الأسفل؛ بل بخلق المبادرات والتخطيط السليم لبرامج توفر البيئة الحاضنة للعاملين في المنشآت من خلال توفير العدالة في بيئة العمل وتعزيز الشفافية في التعيينات الإدارية، والمكافآت، وإعطاء الحوافز، والتطوير المهني، والتكليف بالمهام بالتساوي.

تؤسس المؤسسات السعيدة على الثقة التي يعززها القادة بجمع العاملين على هدف مشترك، فعندما تغيب الثقة بين الرئيس والمرؤوسين فإن السعادة تضمحل، ويتراجع مستوى أداء الموظفين نتيجة افتقارهم إلى الحماسة؛ وبالتالي يقل تقبلهم للتغيير.

وللقادة دور في تعزيز السعادة خاصة من يمتلكون مهارة الذكاء العاطفي التي تسهم في خلق العلاقات الإيجابية بين الأفراد والمجموعات وبالتالي تحسن الإنتاجية. ويكون الموظف سعيدا عندما يثق في الأشخاص الذين يعمل معهم، ويستمتع بالعمل في جو من المصداقية والاحترام المتبادل؛ فالموظف السعيد يؤمن بمؤسسته ويثق بها وبالإدارة العليا، وينظر إلى عمله كجزء لا يتجزأ من نجاح المؤسسة.

ختاما: إذا أردت أن تعرف هل المؤسسات سعيدة، فابحث في ثقافتها التنظيمية وقيمها، وسمعتها لدى الرأي العام، وأسلوب تعاملها مع جمهورها، وهل الموظفون متحمسون لأهدافها ورسالتها.

@mesternm