زيد الفضيل

مالكوم إكس في مكة المكرمة

السبت - 26 مارس 2022

Sat - 26 Mar 2022

يمثل مالكولم ليتل المعروف بمالك شباز أو مالكوم إكس والمولود في مدينة أوماها بولاية نبراسكا عام 1925م أحد أشهر الشخصيات السوداء المناضلة في سبيل إنهاء عنصرية العرق الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما أنه قد اكتوى بنارها منذ نعومة أظافره، حيث يروي في سيرته قيام أفراد من عصابة «كوكلوس كلان» العنصرية بحرق منزلهم، ثم وقوف رجال الإطفاء البيض دون حراك يتفرجون على المنزل حتى أحرق بالكامل، في مشهد عنصري بغيض ينم عن ذهنية أظن أن ملامحها لا تزال قائمة حتى اليوم كما يظهر من تداعيات حرب روسيا في أوكرانيا.

كانت مسيرته حافلة بكثير من الصور العنصرية التي تعرض لها كشخص أسود في مجتمع أبيض، وكان ما يتعرض له مجتمعه من اضطهاد كفيل بأن يجعل قلبه كارها للجنس الأبيض بجملتهم، وهو ما ترجمه في مختلف خطبه بعد ذلك ومسيرته العملية، لا سيما من بعد اعتناقه للإسلام، وبلوغه شأنا عاليا في إطار مجتمعه الأسود في الولايات المتحدة الأمريكية. وظل على ما هو عليه من أفكار إزاء استحالة العلاقة بين العرق الأسود والأبيض حتى كانت لحظة التغيير الفاصلة في حياته، وهي اللحظة التي عرف فيها مبادئ الإسلام كما يجب ويكون.

واكبت تلك اللحظة زيارته لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة وتأدية فروض الحج بدعوة كريمة من قبل الملك فيصل بن عبدالعزيز -يرحمه الله-، الذي أوكل إلى عبدالرحمن عزام مهمة مرافقته وتنويره بشعائر الإسلام وقواعده.

في هذه الزيارة استشعر «مالكوم إكس» أمورا ما كان يمكن أن يشعر بها لولا مهابة المكان وجلالة الحدث الذي يتساوى فيه الناس، فلا فرق بين أبيض وأسود، غني وفقير، كبير وصغير، رجل وامرأة، فكلهم ينشدون رحمة الله ومغفرته، وكلهم يشخصون ببصرهم وأكفهم إلى عنان السماء. كان ذلك موقفا مهيبا لرجل أمضى جل حياته في مجتمع عنصري بشكل كلي، حتى في إطار الانتماء للكنيسة، إذ للسود كنائسهم الخاصة بعيدا عن البيض في ذلك الوقت.

في هذه الزيارة أدرك «مالكوم إكس» أن الخلاص الحقيقي يكمن في الإسلام بروحه وقيمه، وأن ما كان يعتقده مستحيلا بات ممكنا في حال الإيمان بجوهر الدين الإسلامي الداعي فعلا ومنهجا إلى الحرية والعدالة والمساواة، فالناس كأسنان المشط كما جاء في الأثر النبوي.

في مكة المكرمة سقط عنه لونه، التي وصلها بوصفه مسلما أسود كما كان يؤمن، فأصبح جراء ما شاهده من تحرر ومساواة مسلما فقط، وآمن بأن المساواة والتعايش بين الأعراق بألوانها ممكن في ظل راية الإسلام وحسب، وكان أن كتب في ذلك رسالته الشهيرة من مكة المكرمة لأصحابه ورفاق مسيرته في أمريكا، وهي رسالة مهمة ومعبرة أرى ضرورة اقتباس بعض أسطرها، ليعرف العالم الوصفة الناجعة للخلاص من ربقة العنصرية والتي يتم تذكيتها حاليا من قبل مجاميع من المجتمع الأوروبي مع تداعيات أزمة أوكرانيا.

يقول مالكوم إكس: «إنني لم أشهد في أرض بمثل هذه الضيافة الصادقة والاحتفاء البالغ الممزوج بالأخوة الحقة، مثلما هو مطبق بين الناس من جميع الألوان والأجناس في هذه الأرض المقدسة، بلد إبراهيم ومحمد وجميع الرسل. لقد غدوت منذ الأسبوع الماضي أخرس أمام صور الكرامة المحاطة بي من قبل الناس من كل لون. كان هناك عشرات الآلاف من الحجاج من كل أرجاء العالم، كانوا من جميع الألوان، من ذوي العيون الزرقاء إلى ذوي البشرة السوداء، لكنهم كانوا يؤدون شعيرة واحدة مظهرين روح الوحدة والأخوة التي لم أعهدها في أمريكا، وقد كانت خبرتي في أمريكا قد قادتني إلى الاعتقاد بأن مثل هذه الروح الأخوية مستحيلة التحقق بين الأبيض وغير الأبيض. وعليه فإن أمريكا بحاجة إلى فهم الإسلام؛ لأنه الدين الوحيد الذي يمحو من المجتمع الأمريكي المشكلة القومية. خلال الأيام الأحد عشر السابقة شاطرت إخواني الأكل من آنية واحدة، والشرب من كوب واحد، والنوم معهم على فراش واحد، ممن هم من ذوي العيون الأشد زرقة، والشعور الأشد شقرا، والبشرة الأنصع بياضا. إن كل ساعة أقضيها هنا في الأرض المقدسة تخولني رؤية روحية واسعة للنظر فيما يحدث في أمريكا بين السود والبيض، فالأسود الأمريكي غير ملوم في حقده العرقي، لأن تصرفه نابع من ردة فعل لأربعمائة عام من عنصرية الأمريكيين البيض».

إنها رؤية صادقة من شخص موجوع وراغب في الخلاص، وهي رؤية تعكس جوهر ديننا الحنيف الخاتم الذي ما جاء ليقصي أحدا، وإنما ليعزز عرى التقارب بما شرعه الله من أحكام وقوانين عادلة. فرحم الله مالك شباز، وكان الله في خلاص كل المضطهدين في العالم.

zash113@