سليمان محمد الشريف

رمضان عقود متلألئة بالذكريات

الخميس - 24 مارس 2022

Thu - 24 Mar 2022

‏بهجة شهر رمضان، وفرحة قدومه الخاصة ونكهة طقوسه المختلفة، أيام خلت خبأها الزمن على رفوف السنين المتعاقبة تخبرنا عنه الأيام بنفس المشاعر الجميلة وتلك النكهة الممزوجة بمذاق التوت ورائحة القهوة وبخور «أمي»، وأصوات الأذان الذي يملأ مسامع الجميع بلا مبكرات للصوت، وعلى دوي مدفع الإفطار، والتفافة الطفولة على أنشودة المساء الرمضاني: «افطروا يا صيام على كبار اللقام» التي يسبقها صوت جدي «جعفر» الدافئ عندما ينادي: «الله أكبر» وعلى حكايات «أبو وأم حديجان» ومائدة «الطنطاوي» وروحانية وجمال «التراويح» وزينة بساط الصلاة بالمأكولات الشعبية.

‏ونحن اليوم على أعتاب شهر رمضان المبارك ونستعد لاستقباله تعلو سماؤنا الفرحة وننتظر هلاله بشغف على أمل أن يغفر لنا الله سبحانه وتعالى خلال أيامه المباركة، ونقف بين مساحات الوقت نستعيد شيئا من أيامه الجميلة وعقوده المتلألئة الباقية في ذاكرة لا تشيب حبيسة الأذهان ما بين ليال تنفح أريجها في كل صوب، وسعادة لا توصف التهم الزمن توهجها، وهناك على مخدة أحلام وردية وجوه لا تغيب وداخل كالجوهر وقلوب كالطير ونفوس بسيطة متواضعة، ورؤى وطقوس كالسراب، وضجة تفوق ضجيج اليوم، ورائحة بخور تفوح في فضاء الحي الصغير، ورحابة واسعة في المكان الضيق.

‏ما أجمل رمضان حينما كنا نقف له على أبواب الفرح وكلنا سعادة ونستعد له جميعا بنفس الطقوس والظروف والإحساس والأهداف التي يأتي من أجلها هذا الشهر الذي فضله الله على كل الشهور وجعله ركنا من أركان الإسلام، ما أجمله حينما كان يقدم علينا بحلاوته وروحانيته وسط تشابه وتعاون الجميع، ممزوجا بجمالية الطقوس الخالدة والألعاب الشعبية انطلاقا من بعد الإفطار بالإضافة لإقامة المباريات الكروية التي كانت جزء لا يتجرأ من حياتنا عالقة ذكرياتها في العقول والقلوب وأوكسجين في مسارب الأجساد.

‏وعلى بساطنا الرمضاني المتوالي في العقود المتضاربة الأخيرة كنا نعيش راحة الصوم على ريش ناعم وتحت هدوء المبردات، على نقيض الأمس حيث قسوة وصعوبة الظروف تطوعها حلاوة الطفولة ونشوة ربيع العمر وريعان الشباب، حديث نفسي مع أقراني وصحبتي وأصدقائي بين من سبقونا في ذلك العمق الزمني وكيف كانت حياة الشهر الفضيل، في وقت كانت الشمس بلونها الذهبي الفاقع تملأ سماء لا تعرف السحاب بينما يصب جمال الشهر أعمدة الندى ليبث الدفء في القلوب فتبرد الأجساد على أمل انكسار الضوء ورحيل يوم شاق نحو المغيب المنتظر يمتد من عصرية كلؤلؤ على منظر الغروب الساحر والشمس تلملم نورها وتجر ثوبها الأنيق نحو النهاية على أمل الشروق.

‏ذكريات رمضان وحياة الناس فيه أيام في واقع كأحلام اليقظة، قصة على لسان الزمن دونها التاريخ حقيقة لامست الأمس بحلاوته ورونقه وصفائه ونقاء جوهره وطابع أهله الوجداني والروحاني الذي عشناه في كنف الأولين نستظل بحبهم الصادق ونرقد بين أحضان حنانهم الدافئ.

‏رمضان أكثر من 40 عاما صفحات من الماس نقلبها بشوق وحنين مع قدوم هذا الشهر كل عام إلى ما قبل زمن «الفضائيات» و»الالكترونيات» وحتى طامة «السوشل ميديا» وتغير الظروف وتلاشي العديد من الطقوس الجميلة والحياة الرمضانية القديمة التقليدية والتخلي عن أجزاء كبيرة منها وحجب الوجه البراق وتقاسم وتشابه ظروف العيش.

‏رمضان اليوم نعيشه على ضوء الذكريات ووسط محاولات يائسة لعيش حلم عابر من أيامه الخوالي التي لا تشبه اليوم وحتى الناس لا يتشابهوا وإن تقاربوا.

‏نقطة أخيرة: في الماضي وجهان، وجه أحببته إلى الأبد، ووجه دفعني لإسقاطه وكلما حاولت أن أقيمه لا يساعدني.

@soliman_asharef