طامي الشمراني

الثنائيات الضدية في شعر عبدالله بن سليم الرشيد

الخميس - 24 مارس 2022

Thu - 24 Mar 2022

ورد في لسان العرب: «الضد كل شيء ضاد شيئا ليغلبه، والسواد ضد البياض، والموت ضد الحياة، والليل ضد النهار إذا جاء هذا ذهب ذلك.

والجمع أضداد». من هذه المادة اللغوية انطلق اللغويون العرب في دراساتهم للتضاد.

والتضاد في معناه الاصطلاحي «أن يجمع بين المتضادين مع مراعاة التقابل»، وعند أبي هلال العسكري «هما اللذان ينتفي أحدهما عند وجود صاحبه إذا كان وجود هذا على الوجه الذي يوجد عليه ذلك كالسواد والبياض».

فالمقابلة أو الطباق هو «الجمع بين الشيء وضده في جزء من أجزاء الرسالة أو الخطبة أو البيت من بيوت القصيدة»، والضدان -لغة- هما ما نقض أحدهما الآخر، كالهدم ينقض البناء، ولذلك يعبر أحيانا عن الضدين بأن أحدهما نقيض الآخر، وقد أكد الكثير من النقاد العرب القدامى أهمية التضاد والقيمة الوظيفية التي يمكن أن يكسبها النص، كما نلحظ في قول حازم القرطاجني:

«وكذلك أيضا مثول الحسن إزاء القبيح، أو القبيح إزاء الحسن مما يزيد غبطة بالواحد وتخليا عن الآخر، وهذا ما نجده في البيت الذائع الصيت:

ضدان لما استجمعا حسنا

والضد يظهر حسنه الضد

من هذا المنطلق سندرس الثنائيات الضدية في قصيدة (انكسار والتئام) للشاعر عبدالله بن سليم الرشيد، وهي خير مثال على ما ذهبنا إليه: وسوف اختار بضعة أبيات منها تناسب المقال، على أنني أؤكد أن أبياتها كلها تقوم على التضاد، فقد جاء في مطلع القصيدة:

طفت الحياة وملء أوردتي

أمل، لديه يرتخي ألمي

ففي مسيرة الشاعر الحياتية تقابل بين الألم والأمل، فكلما زاد الأمل ضعف الألم، فالأمل هنا نقيض الألم وسبب اضمحلاله، لكن الشاعر لا يستقر على حال، فالأمل أيضا يتلاشى، فيقول:

أرجو بها شيئا، ويفاجئني

شيء يبعثر رعشة الحلم

وهو يقصد الحياة، فلم يرج حلما إلا وتبدد كأنه لم يكن، ثم يتابع بقوله:

إني ابتغيت الصدق فارتجلت

كذبا أحاط القلب كالغمم

الشاعر بإحساسه العميق وشعوره المرهف يريد الصدق، لكن أهلَ الحياة وأناسها، ترتجل الكذب الذي يطوّق قلبه النقي، فيرجو أن يكون قويا صبورا كي يحتمل ما يواجهه في هذه الحياة، ولكن هيهات، فيقول:

ورجوت أن أحيا على جلد

في قوة تسمو بها هممي

فإذا أنا في الضعف منغمسٌ

أرتد من عدم إلى عدم

فقد خاب الرجاء وجاء الضعف نقيض القوة، وكأن الشاعر في نحس وشؤم، فيرجو لنفسه الصحة والعافية في قوله:

وطلبت عافية، فخامرني

وجع يحثّ ركائب الهرم

غير أن العمر مضى، والوجع يسيّره إلى الهرم، فيلجأ إلى تحرير الذات من أسر الحياة، ولا سيما عندما يكون ذك الأسر، هو أسر داخلي في نفس الشاعر فيقول:

فإذا أنا المأسور في قلقي

وإذا أنا المكروب في ظلمي

أنى له أن ينال حرية ذاته المسيجة بالقلق، لقد ظل مأسورا في قلقه، ومريضا في ظلمه، فيطمع بالأمن لعله يلذ بشيء منه لكن نصيبه كان الخوف الذي ملأ فمه فأعجزه عن الكلام أو التذمر، فيقول:

وطمعت في أمن ألذ به

فإذا رعاف الخوف ملء فمي

ليعود الشاعر بعد هذا إلى ما بدأ به نصه، وهو اللجوء للأمل، فيرجو الآمال ألا تهن، وألا تضعف، غير أنها تسير إلى ضد ما يبتغيه وهو اليأس، فيقول:

كم قلت للآمال: لا تهني

فاحتثها يأس، فلم تقم

وتظل القصيدة على هذا النحو حتى آخرها، لتكون مبنية على التقابل والتضاد في ثنائيات ضدية تعكس الألم والقلق الذي يعيشه الشاعر في ذاته.

لا شك أن هذا النص وغيره من نصوص الشاعر عبد الله الرشيد تقدم صورة عن وعي عميق في إدراك منبع مهم من منابع إغناء الشعرية والمتمثل في بحث الذات عما يقلقها ويؤرقها مع الاحتفاظ بالأمل الذي ينير دروب القصيدة.

@tamidghilib1404