عبدالله محمد الشهراني

صالح كامل والوفاء للمدرسة

الأربعاء - 23 مارس 2022

Wed - 23 Mar 2022

في عام 2013م اصطحبني الشيخ الفاضل عبدالله فدعق إلى منزل الشيخ عبدالله كامل، كان عدد حضور المناسبة لا يزيد عن 30 شخصا.

ما علق في ذاكرتي من تلك المناسبة -وبسبب عشقي للحج- كلمات الشيخ صالح كامل رحمة الله عليه، لم يتحدث طويلا لكن خلاصة ما قال هو أن الحج مدرسة ومن تخرّج من تلك المدرسة فهو محظوظ.

ارتبط ذلك في ذهني بحديث الدكتور عبدالعزيز خوجة في الحلقتين اللتين سردتا حياة الشيخ صالح كامل في برنامج «اللقاء من الصفر»، وذلك عندما قال: «إن للحج والطوافة دورا رئيسيا في صقل مهارات الشيخ صالح كامل القيادية».

دعوني أوضح لكم ماهية المناهج والمواد الموجودة في مدرسة الحج التي تخرّج منها الشيخ صالح وأغلب أبناء مكة المكرمة، وذلك على النحو التالي: أن تعمل في الحج فذلك يعني أنك تتعلم الانضباطية، فالنوم من 3 إلى 4 ساعات يعد وقتا طويلا، والمواعيد حساسة جدا، حيث لا يمكنك تقديم موعد النفرة من عرفات إلى منى، كما لا يمكنك أن تؤجل أو تلغي وجبة واحدة من وجبات الحجاج، وأن خبر تمام شهر ذي القعدة 30 يوما أمر يدعو للتفاؤل، بينما هو مقلق في حال كان الشهر 29 يوما.

في مدرسة الحج تتعلم المسؤولية، فسلامة الحجاج وصحتهم وخدمتهم في الأوقات المحددة مسؤولية كل فرد في الميدان. أن تعمل في الحج يعني أنك في حاجة إلى قدرات معينة في الحوار واللباقة والبروتوكول والصبر وهو الأهم؛ فأنت تتعامل مع أكثر من جهة وقطاع، منها ما أنت مسؤول عن تنفيذ متطلباتهم «الدفاع المدني، الصحة، البلدية.. إلخ»، وأخرى أنت في حاجة لخدماتهم «الكهرباء، المياه، المرور .. إلخ».

في مدرسة الحج الدلال والترف والهدوء والاسترخاء وغيرها أمور ممنوعة، بل هي في الأصل غير متوافرة. العمل في الحج باختصار هو: إدارة أعداد كبيرة جدا، في وقت قصير جدا، داخل مساحة ضيقة جدا، ودرجة حرارة عالية أو أمطار كثيفة. الحج في لحظات يكون قاسيا ويضع من يخوض غمار العمل فيه تحت طائلة ضغط نفسي شديد، فلا تصدق كل من يعمل في الحج عندما يقول (توبة.. هذه آخر سنة أشتغل في الحج) وإن حلف وأقسم.

شهدت يوم الاثنين الماضي توقيع مؤسسة صالح كامل الإنسانية اتفاقية مع وزارة الحج والعمرة التي تحمل اسم «برنامج صالح كامل لتأهيل العاملين في الحج والعمرة»، تهدف إلى تطوير مهارات التعامل والترحيب لدى مقدمي الخدمات والعاملين في القطاع الحكومي والخاص وغير الربحي لرفع جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن إلى مستوى عالمي.

في الحقيقة -ومن خلال معرفتي وبشكل شخصي بميزانية البرنامج الضخمة- لا أجد نفسي إلا مترحما على الشيخ صالح كامل، وسائلا الله تعالى أن يبلغني ما بلّغه.

أن يقدّرك الله على الوفاء فهذه نعمة، لكن أن يرزقك الله بالابن الصالح ليقيم لك «علما نافعا» بعد مماتك فهذا فضل كبير يؤتيه الله من يشاء.

ALSHAHRANI_1400@