حنين بخش

دور الـ ISO 22000 في تعزيز الأمن الغذائي

الثلاثاء - 22 مارس 2022

Tue - 22 Mar 2022

إن مصطلح «الأمن الغذائي» يعني توفير الغذاء بالكمية والنوعية والجودة اللازمة للنشاط والحيوية وبصورة مستمرة لكل أفراد الأسرة أو الأمة، اعتمادا على النشاط المحلي أولا، وعلى أساس الميزة النسبية لإنتاج السلع الغذائية في البلاد وإتاحته للمواطنين بالأسعار التي تتناسب مع إمكانيتهم المادية، أي بمعنى أن تنتج الدولة أكبر قدر من احتياجاتها الغذائية بالطريقة الاقتصادية التي تأخذ في الاعتبار الميزة النسبية للدولة في إنتاج السلع التي تلبي حاجاتها وفق الموارد والمقومات المتاحة مع الاحتفاظ بمخزون لا يقل عن سد الحاجة لمدة 3 أشهر على الأقل لمواجهة الظروف البيئية والاقتصادية والسياسية في المنطقة.

ووفقا للتقارير والتوقعات السكانية العالمية الصادرة عن الأمم المتحدة أن عدد سكان العالم العربي سيبلغ 671 مليون نسمة بحلول عام 2050، أي أنه من المتوقع أن يصل سكان العالم بحلول منتصف القرن الحالي بعد نحو 30 عاما إلى ما يقارب عشرة مليارات نسمة مقابل 7.7 مليار حاليا، أي أنه يجب على المزارعين على مستوى العالم زيادة إنتاج المحاصيل خصوصا الحبوب بين 25% إلى 70% مقارنة بمستويات الإنتاج في الأعوام الماضية وتحديدا عام 2014 لتلبية الاحتياجات المستقبلية لأعداد أكبر من السكان، حيث إن إطعام ما يقارب عشرة مليارات شخص بشكل مستدام بحلول 2050 أصعب بكثير مما يدركه البعض.

في دراسة أجرتها مجلة «إيكونيميست» البريطانية عام 2020 خلال جائحة (كوفيد-19) ووفقا لأربع عوامل مؤثرة تتمثل في القدرة على تحمل تكاليف الغذاء، النوعية والجودة، توافر الغذاء، والموارد الطبيعية، فقد احتلت المملكة العربية السعودية المركز الرابع على مستوى الوطن العربي والمركز 38 عالميا وفق مؤشر الأمن الغذائي العالمي (GFSI)، ولأن المملكة العربية السعودية حريصة دائما على الحفاظ ليس فقط على أمن الدولة والمواطنين وإنما حتى أمنهم الغذائي فقد أكدت عليه في رؤيتها 2030 على تعزيز وتطوير استراتيجية الأمن الغذائي وإشراك أكثر من 9 وزارات حكومية لتطوير هذه الاستراتيجية.

ومن معالم اهتمام المملكة العربية السعودية بجودة المواصفات والمقاييس في جميع المجالات وبموجب قرار مجلس الوزراء السعودي الموقر رقم 600 وتاريخ 22/ 10/ 1440 تم تكوين جهاز وطني يعتبر واحدا من أربعة على مستوى الوطن العربي من خيرة المقيمين والخبراء والفنين معترف به من المنتدى الدولي للاعتماد IAF وكذلك الايلاك الخاص بالمعامل والمختبرات ILAC دوليا وإشراف مجلس الوزراء السعودي، وأطلقت عليه مسمي «المجلس السعودي للاعتماد» «SAC» ويعد الجهة الوطنية المنوط بها تقديم خدمات اعتماد جهات التقويم والمطابقة في المملكة العربية السعودية، والذي بدوره ووفق مواصفات ISO العالمية يعتمد الجهات المانحة لشهادة الـ ISO في جميع الصناعات والمجالات ومنها مواصفة ISO 22000 والتي تعد معيارا عالميا لإدارة سلامة الغذاء من المزرعة للمائدة.

وتتميز مواصفات الـISO بالهيكلة المبنية على مبدأ الجودة الخاصة بالعالم الشهير إدورد ديمنج المعروف عنه «PDCA» البدكا والتي تعني التخطيط، التنفيذ، التحقق، المراقبة وتعتبر هذه المواصفة بمثابة جواز العبور المعتمد دائما وأبدا للمنظمات الغذائية ولغة الحوار المعتمدة والمشتركة على مستوى العالم.

والسبب في شهرتها العالية هو تميزها بالمرونة في الدمج بين أنظمة إدارة الجودة في مختلف القطاعات للمنظمة الواحدة مثل الدمج بين نظام إدارة الجودة «ISO 9001» ونظام إدارة الصحة والسلامة المهنية «ISO 45001» ونظام إدارة البيئة «ISO 14001» ونظام إدارة سلامة الغذاء «ISO 22000» التي تحرص أغلب المنظمات وخصوصا الغذائية على الجمع بينها، وتتضمن مواصفة ISO22000 جميع المعايير والمتطلبات المعترف بها والمعتمدة لضمان سلامة الغذاء في كافة مراحل خط سير المادة الغذائية.

ولتطبيقها لابد بداية أن نبدأ من قاعدة الهرم وذلك بتعريف وتدريب الكوادر على كافة مبادئ والممارسات الصحيحة لسلامة الغذاء ومن ثم تطبيق برامج المتطلبات الأساسية PRP والمتمثلة في مجموعة برامج ومن ثم تكوين فريق متخصص ومدرب لتطبيق نظام وخطة تحليل المخاطر وتحديد نقاط التحكم الحرجة «HACCP» للوصول لإمكانية تطبيق بنود مواصفة ISO 22000.

ومن المعروف أن كل مواصفات الـ ISO تشترك في أن لها 10 بنود، يكون التطبيق من البند الرابع الخاص بسياق المنظمة ويتضمن تحديد قضايا المنظمات الخارجية والداخلية المؤثرة في نظام إدارة سلامة الغذاء وفهم احتياجات وتوقعات الأطراف المهتمة وتحديد نطاق إدارة سلامة الغذاء وتحديده وصيانته.

يليه البندان الخامس والسادس وهما القيادة والتخطيط وفق الأهداف والاستراتيجيات والسياسات الداخلية لتحقيق المتطلبات القانونية والتنظيمية ودعم الأدوار الإدارية وتدريب الموارد البشرية ودعمها وإدارة الأزمات لضمان جودة المنتجات والخدمات والتي تتطلب خبرات إدارية لتنفيذ هذا البند.

أما البند السابع فقد تطرق للمساندة والدعم وضرورة استقطاب الكوادر المؤهلة وضرورة صيانة البنية التحتية والمركبات والمرافق والمعدات والأنظمة وتوفير البيئة المناسبة للعمل من الجوانب الاجتماعية والمادية والنفسية.

وكما هو متعارف عليه في مواصفات الـ ISO فإن البند الثامن هو البند الفني المتخصص في العمليات والتشغيل لمنع حدوث الأضرار وتقليل الهدر وضبط والتحكم في الجودة لأنه من المعروف أن الجودة بمفهومها المبسط هو عمل الشيء بطريقة صحيحة من المرة الأولى بالطريقة الصحيحة وبدون أخطاء وفي الوقت المحدد والاستمرار على ذلك، أن إدارة الجودة ليست معنية فقط بتفاصيل المنتج والعمليات وإنما إشراك وتطبيق الجودة على كافة عمليات الإدارات المعنية في هذه المنظمة ويتمثل ذلك في هذا البند من خلال الارتكاز على التسلسل الذي يبدأ من الإلمام بمبادئ سلامة الغذاء مرورا بتطبيق برامج المتطلبات الأساسية المعروفة بـ PRP وهي عبارة عن 21 برنامج منها:

الـ GMP أو ما يعرف بالممارسات الجيدة في التصنيع الغذائي التي توفر الإرشادات والحد الأدنى الذي لابد من الشركات المصنعة الالتزام به لهدف منع الأخطاء أو حدوث أي خلل في العمليات التصنيعية.

ومنها أيضا برنامج GHP « Good hygiene Practices» وتعني ممارسات النظافة الشخصية الجيدة الخاصة بالأفراد المعنيين بالتعامل مع الأغذية، وهنالك أيضا التطهير «SANITATION» وهو الجزء المسؤول عن تنظيف وغسيل وتطهير الآلات والأدوات المستخدمة في العمليات الصناعية كتنظيف وتطهير الأرضيات، أنظمة التهوية، المعدات وغيرها.

وبرنامج GAP أو ما يعرف بـ «GOOD AGRICULTURAL PRACTICES» التي تحدد الإجراءات والوثائق المصاحبة التي يجب تنفيذها للحصول على مكونات غذائية بطرق آمنة وصحية ومستدامة.

وبرنامج التخزين الجيد GSP « GOOD STORAGE PRACTICES» الذي يحرص على توافر كافة ظروف التخزين الملائمة للمادة الغذائية والحفاظ عليها من التلف والتأكد من الحفاظ على جودتها وكامل خصائصها من مختلف المخاطر التي قد تصيبها في كافة مراحل السلسلة الغذائية مرورا بالتوزيع والنقل وبرامج إدارة مكافحة الآفات وبرامج إدارة الزوار ومسببات الحساسية وغيرها.. والمهم هو الالتزام بالتوثيق ومن ثم تطبيق ما يعرف بنظام الـ HACCP أو «تحليل المخاطر وتحديد نقاط التحكم الحرجة» وهو نظام وقائي يضمن سلامة وأمن الغذاء من خلال التعرف على مصادر الخطر في كل مرحلة وتحديدها وتقييمها واتخاذ التدابير اللازمة للرقابة والسيطرة عليها من البداية وحتى الاستهلاك وقد بدأت فكرة هذا البرنامج عام 1959 أثناء محاولة وكالة الفضاء ناسا إنتاج أغذية سليمة لرواد الفضاء حيث قدم عام 1970 وطبق عام 1973.

واعتبر من ذلك الوقت نظام الجودة المعتمد عالميا بسبب شموليته لكافة العمليات ويمكن تلخيصه في خمس خطوات تمهيدية وسبع مبادئ أساسية تتضمن إنشاء الفريق ووصف المنتج ومراحل التصنيع وتحديد الاستخدام المقصود من المنتج ووضع خرائط التدفق لمراحل التصنيع ومطابقتها بالواقع وتحديد المخاطر وإجراءات السيطرة ونقاط الضبط الحرجة والحدود الحرجة ووضع أنظمة المراقبة والإجراءات التصحيحية وإجراءات التحقق، وأخيرا توثيق كل هذه العمليات التي تسهم بشكل أساسي في تحقيق البند التاسع الخاص بتقييم الأداء والرصد والقياس والتحليل والتقييم وإجراءات المراجعة والتدقيق الداخلي على كافة الإدارات وتقديم الأدلة على إجراء العمليات التصحيحية وتحديد المدخلات والمخرجات وسحب المنتج وغيرها من الأمور اللازمة لتحقيق البند العاشر والأخير باتخاذ قرارات التحسين المستمر وتحديث النظام وتطويره للوصول للاستدامة.

لذلك فإن تطبيق مواصفة الـ ISO 22000 يعتبر من ركائز الدعم لكثير من الأمور منها الامتياز التجاري وبرامج التوطين وتأهيل الكفاءات والكوادر الوطنية لتمكينها من قيادة وإدارة المنظمات الغذائية، وكذلك في تعزيز التجارة الدولية من خلال مطابقة المنتجات للمعايير العالمية ودعم برامج رؤية 2030 مثل برنامج جودة الحياة وأيضا تعزيز ثقافة المشاركة المجتمعية للحفاظ على الأمن الغذائي.

@Han_bakhsh90een