مرزوق بن تنباك

حرب الروس والأوكران وحمية الإنسان

الثلاثاء - 22 مارس 2022

Tue - 22 Mar 2022

طبيعة الإنسان أن يحب الهدوء والاستقرار ويكره ما عدا ذلك من منغصات الحياة ومشكلاتها ويسعى ما وسعه السعي إلى السلام والاطمئنان، حيث يعيش ويعمل وينتج ويطلب الأمن له وللمحيط الذي يعيش فيه، وذلك هو الوضع الطبيعي الذي يتخلق فيه الوجود الإنساني المسالم الذي ينحو إلى الدعة والهدوء، أما الطارئ وغير الطبيعي فهي الحرب بكل صورها وأسبابها وبواعثها وأهدافها، ومنكر القتل والتدمير الذي يحصل فيها عند كل البشر وفي كل الأحوال.

ولا تكون الحرب في جزء من العالم اليوم إلا كانت شؤما على ذلك الجزء وعلى الناس كافة، والشاهد هذه الحرب التي حدثت منذ أسابيع بين الروس والأوكران وأصبح البشر في أقصى الأرض وأدناها يتابعها ويعيش أحداثها ويخشاها فأصبحت هي حديث الناس البعيد منها والقريب وكل أصبح يعيش أجواءها المرعبة وتلحقه أضرارها الاقتصادية قبل أضرارها العسكرية، حيث ارتفعت الأسعار وتضاعفت الأخطار وأصبح الجميع مهموما بما يعاني منها وكأنها في أرضه وقريبة منه.

ومهما يكن الأمر تبقى الحرب وأسبابها موضع اختلاف بين من يشعلها ويصطلي بنارها وبين من يعيش بعيدا عنها ويتعاطف مع أحد طرفيها ضد الآخر.

وجدلية الحرب طويلة في التاريخ القديم والحديث، وقد ملئت بطون الكتب ومتون الصحف بالكلام عنها وعن المساوئ التي تخلفها في كل ما يحيط بالطبيعة والإنسان من أنواع الدمار الشامل الذي نراه يصيب المدن ويتركها ركاما ويصيب الإنسان ويتركه مشردا وقتيلا.

ومع كل ما يترتب عليها هناك من يبررها ويسعى لها ويدافع عن الذين يشعلونها وهم بعيدون عنها، وهناك من ينكرها ويتعاطف مع ضحاياها، ومع ذلك يخوضها الناس في أكثر من زمان وفي أكثر من مكان ويكسبها طرف ويخسرها طرف آخر، وتبقى بغيضة كريهة لدى كل الأطراف الذين ينتشون بأوهام النصر فيها والذين يتجرعون مرارة الهزيمة منها.

وقد وصف بعض المتحذلقين الدارسين لتاريخ الحروب بعضها بأنها عادلة وبعضها جائر وبعضها ضرورة وبعضها عدوان وتلك أهواء النفس وفلسفة الشيطان، لكن الحرب شر على كل من خاض غمارها سواء ربح الحرب أو خسرها ووصفها بالعادلة أو الظالمة لا يغير من قبحها وقبح ما تؤول إليه في كل الأحوال، ولا يغني التبرير لها بأي مبرر عن طلب الأمن والسلام والعودة إلى إنسانية الإنسان بدل توحشه وشراسته وقتله لأخيه الإنسان.

لقد ظن الناس وما أكثر ما تخطيء الظنون أن الدول الكبيرة المتقدمة صناعيا وتجاريا قد تجاوزت بواعث الحرب وأسبابها وأن لديها من الحكمة والصبر ما يجعل الأمن والسلام مقدما في حاضرها على كل أسباب الحروب وويلاتها، لكن في هذه الحرب اتضح خطأ التفكير والتعويل على حكمة القوم وأناتهم واتضح سرعة انزلاقهم وثورة حميتهم إلى جحيم الفتن وانقسموا إلى اتباع الأهواء والميول وفقدت فيها الحكمة والأناة؛ فتحول الغرب كله وأمريكا الكبيرة معه إلى موقف مشجع على الحرب مدافع عن أحد طرفيها منحاز إلى ذاكرته القديمة التي أشعلت حربين عالميتين ذاق الناس ويلاتهما في القرن المنصرم وكأن تلك الذكرى السيئة محيت من الماضي أو نسيت ونسي ما كان فيها من الأحداث العظام المؤلمة، وقامت المصالح العسكرية والاقتصادية مقام الرغبة بالسلام والأمن والاستقرار، ولله في خلقه شؤون.

@Mtenback