طلال الشريف

شبابنا والمستقبل

السبت - 19 مارس 2022

Sat - 19 Mar 2022

انحصرت اهتمامات بعض شبابنا اليوم في مجال الترفيه واستنزاف دخولهم ودخول أهاليهم، والاهتمام بآخر صيحات الموضة والتجميل والماركات العالمية، ومتابعة الدوريات الرياضية إلى ما وراء البحار والمحيطات، والافتتان بالمشاهير السطحيين، والتنافس على ارتياد المقاهي والمطاعم بشكل يومي، وقضاء جل وقتهم في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، ومظاهر غير جيدة كالسلاسل وربطات اليد، وقصات وتسريحات الشعر الغريبة، والقمصان والبنطلونات الضيقة والمشوهة، والثياب المخصرة والمنقوشة، والرقة المصطنعة في الحديث، وسماع الموسيقى الأجنبية والتفاخر بها، في انسياق تام للنموذج الاستهلاكي الذي صنعته الحضارة المعاصرة، وفي صورة من صور الانسلاخ من الهوية الخاصة دون اعتبار لتاريخهم وثوابتهم القطعية وواقعهم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

قد كان مقبولا إلى حد ما الانبهار فيما مضى بنتاج كثير من الثقافات وتقليدها ومحاكاتها في ظل الانغلاق الاجتماعي، أما اليوم ومع التحولات الرهيبة والتطور اللافت في بلادنا لم يعد ذلك مستساغا من شبابنا على وجه الخصوص، بعد أن هيأت لهم كل الظروف وصنعت لهم كل السياسات التي تمكنهم من صناعة مستقبلهم، وأصبح لزاما عليهم الاعتزاز بقيمنا الإسلامية وهويتنا الوطنية والاستفادة من المنتجات الحضارية ذات القيمة العالية التي تعزز من توجهنا نحو العالم الأول.

شبابنا اليوم هم مصدر قوتنا ومستقبل وطننا دون شك وبناة حضارتنا ورواد التغيير والتطور التنموي الذي ننشده في عالم مليء بالتهديدات والمخاطر والاطماع، عالم متسارع تحكمه المصالح ولا شيء غيرها، وهم مطالبون بوقفه مع الذات للوعي بمشاكلهم والاعتماد على ذواتهم واستثمار واقعهم، والإدراك بأن طريق المستقبل ليست معبدة أمامهم بل هي مليئة بالتحديات والصعوبات ولكنها لا تخلو من الفرص والإمكانات، وشبابنا مطالبون بتشمير سواعدهم للعمل في مجالات غير مسبوقة انتجتها رؤيتنا في 2030 وكسر القيود الاجتماعية الموروثة عن كثير من فرص العمل المتاحة في الوقت الحاضر، والابتعاد عن الاهتمام بالمجالات التقليدية التي استنزفت مواردنا لسنوات طويلة وانعكست على ارتفاع معدلات البطالة، والتوجه لمجالات الطاقة والتقنيات والسياحة والخدمات ففيها سر النجاح للحياة المعاصرة والمستقبلية.

وأمر آخر مهم لشبابنا لم يعد العمل في القطاع الحكومي أو انتظار الفرص فيه بحجة الأمان الوظيفي هدفا بأي حال من الأحوال كما كان في الماضي، الأمان الوظيفي الحقيقي لشبابنا يجب أن يقوم على الانخراط في أعمال القطاع الخاص والإعداد والتأهيل الجيد الرسمي والذاتي واكتساب المهارات والخبرات النوعية، والرهان على مستقبل آمن ومضمون بعد توفيق الله تعالى يعتمد الطموح والرغبة الجادة في التميز، واختيار التخصص المناسب ليس فقط للقدرات والإمكانيات الخاصة بكل شاب وإنما لواقع سوق العمل المحلي والدولي واحتياجاته المتجددة، واليقين بأن القيمة الحقيقية تكمن في المعارف والمهارة التي نمتلكها ونطورها باستمرار.

اليوم مسؤولية الدولة في تطوير التعليم والتدريب، وفي تهيئة الظروف في سوق العمل ورسم واعتماد السياسات الوطنية التي تمكن الشباب من اقتحام هذه السوق والمنافسة الشريفة مع العاملين فيها من الجنسيات الأخرى، وما برنامج تنمية القدرات البشرية بمبادراته التطويرية لرحلة التعليم، واستراتيجية التعليم والتدريب القائم العمل عليها الآن مع بيوت الخبرة المحلية والدولية، وغيرها من البرامج الوطنية الكبرى إلا دليل على دعم واهتمام الدولة بهذا التوجه الاستراتيجي للشباب، وتبقى كل الجهود حبرا على ورق ما لم يقم الشباب بدوره في صناعة مستقبله وتحقيق تطلعاته.

drAlshreefTalal@