محمد سعد السريحي

تعليم العربية بين سيبويه وتشومسكي

الثلاثاء - 15 مارس 2022

Tue - 15 Mar 2022

قامت علوم العربية على جمع اللغة أولا من القرآن الكريم، وأشعار العرب، ونثرهم، وتتبع كلامهم في بواديهم، وقفارهم، ولذلك تجد الشواهد الكثيرة في كتاب سيبويه، وغيره من كتب النحو، فما يقعد قاعدة، إلا وذكر لها شاهدا، وكثر في الكتاب قوله: (وسمع من العرب)، و(سمعت ممن يثق في عربيته)... فجعل الشاهد النحوي هو الأساس الذي ينطلق منه، فيقعد القواعد منه، ويقيس عليه.

ومرت السنون وتعددت المدارس اللغوية، وكثرت كتب النحو واللغة، ولكنها كانت في غالبها تنطلق من النص، والشاهد اللغوي، والأمر نفسه ينطبق على علوم البلاغة والنقد، وفنون الأدب، والكتابة.

وفي العصر الحديث ظهرت مؤلفات تقدم هذه العلوم بلغة معاصرة، وطرق تعليمية جديدة، كالتدريبات، والأسئلة وإجاباتها، والجداول، والتلخيصات، ولكنها التزمت باحترام الشاهد اللغوي، والانطلاق منه، ثم تأتي الشروحات عليه واستخلاص القواعد منه وباقي الأنشطة.

ومن أشهر من يمثل هذه الكتب: (النحو الواضح)، و(البلاغة الواضحة) لعلي الجارم ومصطفى أمين، وعليهما وعلى مثيلاتها اعتمدت مقرراتنا الدراسية دهرا طويلا، فالتزمت نفس الطريقة والأسلوب.

وقسمت كتب اللغة إلى عدة مقررات، تناسب المرحلة الدراسية. والتزمت بانطلاقها من النصوص اللغوية من القرآن الكريم والحديث الشريف، وعيون الشعر والنثر العربي، ويتم تناولها، وتناول الأدباء في مختلف العصور بالدراسة والتحليل.

وجاءت نظرية تشومسكي في اللغة -والتي لا يتسع المجال لذكرها كاملة- في العصر الحديث، ومن أهم مصطلحاتها (الكفاية اللغوية) والتي تعني المقدار اللغوي الذي يتيح للفرد التحدث بها، فكلما زاد هذا المقدار زادت قدرة المتحدث في التوسع في اللغة.

ومنذ سنوات قريبة تغيرت المقررات الدراسية، ودمجت مقررات اللغة العربية في مقرر واحد، يتناول موضوعات شتى في اللغة.

وجاء ما يعرف بمقرر(الكفايات اللغوية) ويقصد به: المقدار الذي يستطيع من خلاله الطالب التمكن وممارسة المهارات اللغوية. وركزت على المهارات التي يحتاجها الطالب في هذا العصر.

وتكاد تخلو هذه المقررات من عيون الأدب العربي وتراثه، واعتمدت على بعض التطبيقات اللغوية، وعلى نصوص إثرائية صممت خصيصا لأنشطة المقرر، وأحدثت خليطا بين علوم اللغة؛ فالطالب مثلا: لا يعلم معنى مصطلح المعلقات، ولا النقائض، ولا الشاعر المخضرم، ولا يعرف معاني مفردات كثيرة اشتهرت في بعض النصوص الأدبية، ولا يحفظ أبياتا -ولو قليلة- من عيون الشعر العربي.

فالمقررات الجديدة ترى أن الطالب لا يحتاجها، فهي تقدم له القدر الذي يكفيه؛ فهل ما تقدمه يكفيه فعلا؟ وهل هذه الطريقة أنسب من سابقتها؟ أما السؤال الأهم: كيف كانت مخرجاتها؟

@Mabosaad