بندر الزهراني

المقررات المفتوحة: وأما بنعمة ربك فحدث!

السبت - 12 مارس 2022

Sat - 12 Mar 2022

بينما كنت أبحث في شبكة المعلومات عن معلومة بسيطة أشكلت علي، قادني البحث إلى صفحات ومقاطع (يوتيوبية) كثيرة، من ضمنها مقاطع رائعة ومفيدة، توقفت عندها إعجابا وانبهارا، نشرتها جامعة الملك خالد، وهي سلسلة من المحاضرات المفتوحة في مختلف التخصصات الأدبية والعلمية، ولا أخفيكم شعوري بالبهجة والسعادة حيال ما توقفت عنده.

جامعة الملك خالد مشكورة سعت إلى خلق محتوى علمي متميز، جعلته متاحا وسهل الوصول، الغرض منه نشر المعلومة المفيدة، سواء لطلاب الجامعة المعنيين بمحتوى هذه المقاطع، أو لنظرائهم من طلاب الجامعات الأخرى، أو حتى لأي باحث يقوده إليها فضول المعرفة ودوافع الاطلاع، وهذه خطوة إيجابية، بدأتها الجامعة منذ خمس سنوات، أو ربما أكثر، وتستحق عليها الشكر والثناء.

صحيح أن هناك جامعات محلية لها بعض المحاضرات المتاحة على (اليوتيوب)، وهناك أيضا محاولات فردية، كلها لا تقل أهمية وجودة عن تلك التي أتحدث عنها في نظام المقررات المفتوحة في جامعة الملك خالد، إلا أن هذه المبادرة -أعني المقررات المفتوحة- تعد خطوة متقدمة ومتميزة، بل ومماثلة لخطوات رائدة لا تحدث إلا في جامعات عالمية كبيرة، ومن هنا وجب التنويه والإشادة بما تقدمه الجهة المسؤولة عن نظام المقررات المفتوحة في جامعة الملك خالد.

لماذا نشيد بمبادرة المقررات المفتوحة؟ أولا: لأنها خطوة مؤسسية محاطة بالدعم والعناية، بمعنى أنها تخضع لإشراف موحد ومتابعة من قبل الجامعة، وليست هي مجرد محاولات واجتهادات فردية، ولأنها كذلك فهي مستمرة ومتطورة، وثانيا؛ لأنها متنوعة، وليست محصورة في مجال وتخصص واحد، بل إنها تتدرج من مستويات بسيطة إلى أخرى متوسطة، وننتظر -في المستقبل القريب- أن تأتي في صورة متقدمة لتشمل برامج الدراسات العليا، وتتجاوزها إلى طرق أبواب الفكر والثقافة، والحوارات العلمية الدقيقة، والنقاشات الفلسفية العميقة، لم لا؟!

أتذكر أنني في إحدى المرات كنت في نقاش مع أحد الزملاء من المهتمين بتطوير التعليم، وكنا نناقش بعض المبادرات التي من شأنها إثراء المحتوى العلمي، ورفع مستوى الطالب، وتحسين قدراته، بشيء يكون ذا جودة عالية وبأقل تكلفة ممكنة، فاقترحت مبادرة تسجيل المحاضرات اليومية بشكل يحفظ الحقوق الفكرية للمحاضر والمؤسسة التي ينتمي لها، ومن ثم بثها على قناة متخصصة بعد معالجتها فنيا وتقنيا، فوافقني في عموم الفكرة، وخالفني في تفاصيل التنفيذ، ولا بأس أن نختلف حتى تتعاظم الفكرة وتتضح معالمها، ثم نلتقي على وفاق في المخرجات، وما فعلته جامعة الملك خالد هو في الواقع تخريج جميل لما كنت أتحدث عنه في حواري مع هذا الزميل.

ولو بحثنا بشكل سريع في مواقع الجامعات العالمية لوجدنا أن لها حسابات رسمية على (اليوتيوب) تبث من خلالها محاضرات لعلماء متميزين، بعضهم من الحاصلين على جائزة نوبل، وهي من خلال هذه الوسائل الميسرة تقدم نفسها، وتعطي لمحة حقيقية عن واقع التدريس فيها، وبالتالي تجذب عددا من الطلاب إليها، بل وتعطي انطباعا جيدا لدى المانحين والداعمين، وتعزز مشاعرهم الإيجابية تجاه برامج الجامعة، الأمر الذي يخلق ارتياحا عاما وشعورا بالرضا لدى الجميع.

دعونا نتساءل قليلا: لماذا لا تتعاظم مثل هذه الأفكار الخلاقة، ونرى -على سبيل المثال- قنوات عين الفضائية تخصص قناة أو قناتين أو ثلاثا، أو أي وسيلة أخرى، تعنى بتقديم المحاضرات الجامعية، وتشترك فيها كل الجامعات المحلية؟! فالأساتذة المؤهلون والموهوبون حاضرون، وبكفاءة عالية في كل الجامعات، والتقنية والمادة متوفرة، ولله الحمد، فقط نحتاج من يقول (وأما بنعمة ربك فحدث) وينفذ الفكرة بعد أن علق الجرس!

drbmaz@