باسم سلامه القليطي

السقوط أسهل

الخميس - 10 مارس 2022

Thu - 10 Mar 2022

فيزيائيا وبسبب الجاذبية الأرضية يكون صعود الدرج أصعب من نزوله لما يتطلبه من جهد في مقاومة الجذب، لكن الأطباء ينصحون الناس باستخدام الدرج عوضا عن المصعد لما له من فائدة لصحة القلب والجسم بسبب الجهد المبذول خصوصا في الصعود.

ومن هنا تأتي فكرة أن الصعود بما فيه من مشقة وجهد إنما هو ارتقاء عن الأرض وشوائبها، واقتراب من السماء وصفائها.

التفاهة والشهرة الزائفة أنموذج واضح على السقوط الأخلاقي والإنساني والاجتماعي، يبدأ السقوط حرا بسيطا ويتحول تدريجيا إلى سقوط إجباري مدو، تتجاذبه الشهوات، وتغرقه الشبهات، ومحصلته احتقار الذات، لذا هم أكثر الناس تباهيا بالأشياء، فهي تملكهم ولا يمتلكونها، ويرون قيمتهم فيها، ويتناسون حقيقة أنها أدوات وليست غايات، فالمال مهما كان مهما فهو (خادم جيد وسيد فاسد).

(سقط سهوا) كلنا بشر نصيب ونخطئ، نتوب ونستغفر، فتكون أخطاؤنا في الغالب، إما سهوا ممزوجا بجهل، أو عمدا متبوعا بندم، فلا إصرار ولا استكبار، إنما هو الاعتراف والانكسار للواحد الجبار، يقول ابن عباس رضي الله عنه «لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار».

وإن سقط الكريم بفعل اللئيم ظلما وغدرا، كان سقوطه ارتفاعا، ووجد من ينصفه وينصره ويخلد ذكره، مثلما فعل الملك (عضد الدولة) مع الوزير الكريم الجواد (ابن بقية)، احتال عليه وقتله وصلبه، وأبكى عليه أهل بغداد والعراق، وجاء الناس في صباح اليوم التالي ورأوه مغدورا مصلوبا، ومن بين الحضور وقف المحدث المفسر الأديب (أبو الحسن الأنباري) يسترجع عطاياه للفقراء والمساكين، وأياديه البيضاء على طلبة العلم والعلماء، فلم يغادر هذا الموقف حتى رثاه بأبيات بديعة قال فيها:

علو في الحياة وفي الممات

لحق أنت إحدى المعجزات

كأن الناس حولك حين قاموا

وفود نداك أيام الصلات

كأنك قائم فيهم خطيبا

وكلهم.. قيام... للصلاة

مددت يديك نحوهم احتفاء

كمدهما إليهم.. بالهبات

ولما ضاق بطن الأرض عن أن

يضم علاك.. من بعد الممات

أصاروا الجو قبرك واستنابوا

عن الكفان ثوب السافيات

لعظمك في النفوس تبيت ترعى

بحفاظ.. وحراس.. ثقات

وتشعل عندك النيران ليلا

كذلك كنت أيام الحياة

ولما سمع (عضد الدولة) هذه القصيدة سالت دموعه وقال «والله الذي لا إله إلا هو لوددت أني قتلت وصلبت وقيلت في هذه القصيدة».

لأنه علم أن التاريخ سيخلدها ويخلد بطلها، الذي سقط مقتولا بظلم، وزادت محبته في قلوب الناس، وارتفعت مكانته في عيونهم، بعكس ما كان يريد قاتله.

يقول الشيخ (علي الطنطاوي) في كتابه (تعريف عام بدين الإسلام) واصفا الفرق بين طريق الجنة وطريق النار «النفس البشرية طبعت على الميل إلى الحرية والدين يقيدها، وعلى الانطلاق وراء اللذة والدين يُمسكها، فمن يدعو إلى الفسوق والعصيان يوافق طبيعتها فتمشي معه مشي الماء في المنحدر. اصعد إلى خزان الماء في رأس الجبل فاثقبه بضربة معول ينزل الماء وأنت واقف حتى يستقر في قرارة الوادي، فإذا أردت أن تعيده لم يعد إلا بمضخات ومشقات ونفقات بالغات».

basem_slr@