قصيدة النثر قطيعة جمالية أم حساسية جديدة؟

إن تاريخ الشعرية في الآداب كلها، ولا يشذّ عن ذلك الأدب العربي، قد شهد صراعات وتجاذبات عدة بين التيارات الشعرية، فالصراع بين القديم والجديد، والأصالة والحداثة حاضر دوما. وغالبا ما كانت تفضي هذه الصراعات إلى التعايش والتجاور بين تلك الأشكال، وهذا ما برز في تراثنا في قضايا نقدية متعددة شكّلت أسس النقد التراثي للنص الشعري، مثل قضايا الطبع والصنعة وقضايا المعنى وغيرها كثير.

وقصيدة النثر لا تخرج عن هذا السياق الصراعي بين حساسية جمالية سائدة ومسيطرة، وحساسية جديدة تحاول أن تطرحها قصيدة النثر، فهي محاولة لإزاحة رؤى مترسخة لطرح قيم جديدة أخرى تحت مُسمّى (قصيدة النثر)، استطاعت أن تفرض حضورها الكمي والنوعي في المشهد الشعري العربي عموما، والسعودي في الفترات الأخيرة على وجه الخصوص.

لا شك أن مصطلح (قصيدة النثر) هو مصطلح صادم وغير متوقع وغير مألوف، فهو يجمع بين المتضادين (النثر والشعر)، ويقوم على تداخل أجناسي، قد يكون من مسوغات قبوله عند البعض هو إحداث حوار بين النوعين يشكّل استجابة للحياة المعاصرة ولأفق نقدي جديد بات يطرح فكرة النص المفتوح، من هنا فهو نمط ثقافي يطرح تعايشا بين الأنماط المختلفة، بغض النظر اتفقنا على ذلك أم لم نتفق، تمثّل خلاصة لمحاولات التجريب والتجديد في الشعر على مستوى العالم، وربّما هذا ما يجعل التعامل مع التسمية بأنها خطأ شائع، ما يذهل كثير من النقاد، ينطوي على إلغاء الحوار مع هذه التجربة، فربما تكون هذه التسمية التعبير الأكثر إخلاصا لهذه الانعطافة في الشعرية العربية، من خلال محاولتها تأسيس شعرية مفارقة ومختلفة هي ديدن الشعر في كل آن وزمان، من خلال تقويض المترسخ والانحياز إلى قواعد جديدة، لعل من أبرزها كسر أعراف التلقي والإنشاد والقراءة والمتلقين، والميل إلى التأمل البصري والعقلي والجمالي، إنها تأمل في الكتابة عينها بعيدا عن ذلك، وهذا ما يبرز في انقطاع علاقتها مع العروض وطرح بدائل إيقاعية جديدة، من خلال التركيز على أشكال إيقاعية متعددة كالتوزيع الهندسي وإيقاع البياض وغيرها، كذلك في استثمار تقنيات السرد وغير ذلك كثير.

لا شك أن الكسل النقدي في التعامل مع هذا النمط الكتابي إجرائيا ونقديا، ليس مؤشرا صحيا جيدا، فهو مؤشر يفتقد إلى العلمية التي تستند إلى الدراسات المسحية الواصفة بغية الوصول إلى نتائج دقيقة حول جماليتها، في محاول الإجابة عن سؤال رئيس مفاده: هل قصيدة النثر حساسية جديدة أم قطيعة معرفية؟

tamidghilib1404@