عبدالله العولقي

قراءة التاريخ بين الأوهام والبراغماتية

الثلاثاء - 08 مارس 2022

Tue - 08 Mar 2022

في تاريخ القيادة والزعامة، دائما ما تؤثر قراءة التاريخ على صناعة واتخاذ القرار السيادي، وتنقسم ذهنيات القادة حول قراءة التاريخ إلى نوعية تعتمد على البراغماتية الواقعية وأخرى تستند على الوهم والخرافة، فالواقعيون وهم من يجيدون قراءة التاريخ تتلمس في إدارتهم اهتماما بالغا في المسائل الاقتصادية والحرص على مصالح الشعب والمواطنين، وفي التجربة الخليجية عموما والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص برهان جلي على تلك القيادة الرشيدة، بينما الذهنية الواهمة تجدها تقرأ التاريخ بثقافة الوهم مثلما نجده لدى القيادة الإيرانية التي لا تزال حبيسة الإمبراطورية الفارسية المندثرة على يد العرب الأوائل وأحلام استعادتها إلى عالم اليوم، وما تبجح قيادات الحرس الثوري بسقوط العواصم العربية الأربع بقبضتهم إلا ردة فعل انتقامية من وجهة نظرهم الواهمة، أما مصالح الشعب الإيراني فهي آخر درجات اهتماماتهم.

بين أعماق فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع نجد أن الشعور الجمعي والغرور بأحقية التفوق العرقي والزعامة المتفردة دائما ما تشكل عامل إعاقة تجاه التقدم والازدهار؛ لأن ذلك في الأساس يستند على الأوهام والأحلام التي لا يمكن أن تقود إلى النجاح، فالواقعية البراغماتية وقراءة التاريخ بثقافة واعية هي مفتاح التقدم وتطور الأمم، وبنظرة سريعة تجاه التجربة الصينية نجد أن الصينيين قد أحسنوا قراءة التاريخ بحكمة وواقعية، وهذا يفسر عدم إقدامهم على ضم تايوان بالقوة على الرغم أنها جزء أساسي من تاريخ بلادهم وباعتراف التايوانيين أنفسهم، بل كانوا ولا زالوا يتعاملون مع قضية تايوان بذهنية براغماتية رغم الاستفزازات الخارجية لهم على عكس ذهنية القوميين العرب مثلا، والذين ما إن وصلوا إلى سدة الحكم في بعض العواصم العربية في القرن الماضي حتى أشعلوا الحروب وأججوا الصراعات من أجل أفكار يسارية وقومية بعيدة عن قراءة الواقع، ولعل تجربة صدام في حربه الطويلة مع الإيرانيين والتي حرمت العراق من نهضة تنموية عظيمة أسوة بما قد حصل مع جيرانه الخليجيين.

ومن المفارقات أيضا، أن بعض المحللين قد ربط بين الغزو الروسي لأوكرانيا وبين غزو العراق للكويت قبل ثلاثين عاما، ولعل مطالبات العالم للكرملين بالانسحاب الفوري من أوكرانيا وبدون ضمانات قد أعاد الذكريات إلى مطالباتهم قديما لبغداد بضرورة الانسحاب من الكويت وبدون قيود وشروط، وعلى الرغم من الفوارق العديدة بين الحالتين إلا أن ثمة أمور مشتركة بينهما أيضا.

ما يهمنا في هذه المقارنة أن زعيم الكرملين عندما تسلم زمام السلطة في موسكو قبل عقدين من الزمان كان قائدا براغماتيا بامتياز، فقد استفاد وببراعة واقعية من انشغال إدارات البيت الأبيض المتعاقبة بالتنين الصيني حتى تمكن أن يبني واقعا جديدا في أوراسيا وقلب أوروبا النابض، ويعيد واقع الإمبراطورية السوفيتية ولكن بنكهة روسية حديثة.

السؤال الأهم، هل يصنف قرار موسكو باجتياح أوكرانيا وقوعا في الفخ الغربي الذي وقع به صدام من قبل؟ وهل يمثل ذلك القرار الجريء خروج القيادة الروسية عن مسار الذهنية البراغماتية إلى متاهات الأوهام الضائعة؟ الواقع يقول إن من المبكر الإجابة على هذا السؤال.

albakry1814@