محمد علي الحسيني

عزوف الشباب عن الدين أسبابه وتداعياته

الثلاثاء - 08 مارس 2022

Tue - 08 Mar 2022

إن الموضوع ذو شجون لما له من تأثيرات سلبية وتداعيات خطيرة على الفرد والمجتمع، فابتعاد المرء عن دينه يطرح الكثير من التساؤلات عن الأسباب التي أوصلت إلى هذه النتيجة، هل هي ظاهرة مجتمعية أو فردية أم تعود أسبابها إلى علماء الدين وسلوكياتهم أو خطاباتهم التقليدية المنفرة والتي ليست على تماس بالمشاكل التي يواجهها الشباب ويعانون منها، إن الموضوع يحتاج إلى دراسات نظرية وميدانية لمحاولة معالجة المسألة، لكننا نحاول في هذا المقال أن نسلط الضوء على هذا الموضوع لأهميته وآثاره الراهنة والمستقبلية.

شبابنا خلقوا لزمان غير زماننا هناك حقيقة يحاول البعض أن يغفل عنها أو يتجاهلها عن قصد أو دون قصد، لكنها نقطة جوهرية وأساسية لبناء علاقة متينة مع أجيال مختلفة في طريقة تفكيرها وتصوراتها وثقافتها وتطلعاتها، ولاشك أن إعادة طرح مواضيع أكل الدهر عليها وشرب وليس لها أي أهمية وصلاحية في واقعنا الحالي ولا تخدم الكثير من قضايا الشباب المعقدة التي تحتاج إلى حسن دراية وعمق وفهم لحلحلتها، ولن يكون ذلك إلا من خلال مواكبة هذا العصر المتجدد والسريع في تطوره على كل المستويات العلمية والاجتماعية والفكرية وغيرها، وقد أكد الإمام علي على ذلك بقوله: «لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم»، ومن هنا ندرك أن لكل زمان جيله وعلماءه الذين يفقهون طبيعة ذلك الزمن ومتطلباته.

نفور الشباب من الخطاب الديني التقليدي والمتشدد وتداعياته ندرك تماما أن الجيل الحالي هو جيل مختلف تماما عن الأجيال الماضية من حيث الظروف الاجتماعية والتطور التكنولوجي الحاصل والمؤثر على كل مراحل التربية النفسية والعقلية والجسدية للإنسان ما يجعل مستوى مخاطبته يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد، فالخطب التقليدية بالنسبة لهذا الجيل تشكل عائقا لتقدمه لأنها لا تواكب التطور الحاصل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المسلمين عانوا في حقبات متعددة من ظاهرة التشدد الذي كان يشكل جزءا من المنابر الدينية التي مثلت عاملا في نفور الشباب من دينهم والهروب والانسلاخ من كل مظاهر التدين الذي أصبح يشكل بالنسبة إليهم تهديدا دفعهم إلى سلوك وجهات أخرى مناقضة تماما للدين، فهو يزرع حالة من الخوف والاضطراب لدى الإنسان ويجعله يشعر برغبة جادة في الهروب، بدلا من أن يكون مدعاة للراحة النفسية وسبيلا لحل الكثير من المشاكل ومواجهة تحديات الحياة المختلفة، بل يقوده ذلك إلى أعمال إجرامية وإرهابية كما حصل لدى الشباب المغرر بهم بسبب خطاب الكراهية وهنا تكمن الخطورة ليس على الفرد فحسب بل على المجتمعات وعلى أمن الدول واستقرارها.

تطوير الخطاب الديني سبيل لاستقطاب الشباب وكسب ثقتهم تقع على كاهل علماء الأمة مسؤولية كبيرة تتمثل في بناء علاقة مبنية على الثقة بينهم وبين الشباب وأن يدركوا أن لكل زمان جيلا مختلفا عن سابقه لذلك، كما قال نبينا الأكرم (صلی الله علیه وآله وصحبه وسلم): «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»، ولا شك أن هذا المجدد هو إنسان يمتلك من الكفاءة العلمية والإيمان والثقة التي تؤهله لمعرفة طبيعة الجيل الذي يوجه خطابه الديني إليه بأسلوب مختلف تماما عن الأساليب التي استخدمها الذين من قبله لاختلاف طبيعة المتلقي وزمانه، ولا شك أننا في عصرنا الراهن نخاطب جيلا ذكيا يمتلك من القدرات الفكرية التي تجعله يدرك من يتلاعب بمشاعره ويستخدمها لأغراض أصبحت معلومة، فالشباب بحاجة إلى خطاب متجدد يتأقلم مع انشغالاتهم، كما أن الوسطية وحدها هي النهج الذي يحقق للشباب أمنهم الفكري والديني ويجعلهم يعيشون حالة الاستقرار على كل مستوياته من خلال العودة إلى قيم الإسلام السمحة ومبادئه القائمة على المحبة والسلام والعدالة الاجتماعية، التي تشكل مشعلا للنور لإنقاذ البشرية من الظلمات إلى النور.

sayidelhusseini@