مرزوق بن تنباك

الحرب والجغرافيا

الثلاثاء - 08 مارس 2022

Tue - 08 Mar 2022

رغم أن عمنا الكبير زهير بن أبي سلمى قبل 1500 عام وصف لنا الحرب وأخبرنا عنها وعن غاياتها وأضرارها وحتى الردع النووي أشار إليه، وأمرنا أن نحتاط عندما تقع الحرب وأن نضع أيدينا على زر الرادع النووي حين لا يكون هناك خيار غيره لمنع الحرب، ذلك حين قال (ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لم يَظلم الناس يُظلم).

وقد أخطأ من لم يعرف الحرب في تفسير ما أراد زهير حين شرحوا قوله بأنه يعني الظلم ويدعو إليه وما أراد وما قصد غير ما نعرفه اليوم بالرادع النووي، (فمن لم يظلم الناس يُظلم) لا يعني غير أن تكون للقبيلة أو الدولة قوة تعادل قوة الخصم أو تستوي معها أو تزيد عليها قليلا حتى يكون توازن القوتين رادعا لكل منهما عن الإقدام على الحرب ومنعها من أن تحدث وهذا المعنى الذي غاب عن شراح رأي زهير هو الذي أعلنه بوتين في حربه القائمة مع من يريد هدم حياضه، فذكرهم أن لديه من القوة والظلم ما يمنع الآخرين عن ظلمه، ووضع قوة الرادع النووي الروسي في حالة استعداد وتأهب وأعلن ذلك رغم أنه احتمال ضعيف أن يصل الأمر إليه.

إلا أن الطرف المقابل لم يرد أن تمر الكلمة مرور الكرام وندد بها حتى ولو كانت من باب التهويش كما نقول في مفرداتنا اليوم هذا الخوف حتى من سماع الكلمة الرادعة هو ما يوقف الحرب ويمنع استمرارها سواء كسبها الروس أو حلف الناتو.

والملاحظ أنه منذ نهاية الحرب الباردة قبل 30 سنة صارت الحروب الساخنة شرق وسطية وكأن الموقع الجغرافي له خصوصية في نوع الحرب وأساليب المحاربين، كان الروس يتدخلون وكان الناتو يتدخل أيضا ولكنها تدخلات لا يظهر فيها الغضب ولا الحمية لفريق دون آخر، وإنما يظهر فيها الرغبة الخفية بأن تكون حروب الشرق الأوسط دائمة ومستمرة لا ينتصر فيها فريق على فريق آخر ولا ترجح كفة الميزان لصالح أحد المتحاربين.

وفي حروب الشرق الأوسط الظاهر فيها هي لغة الحياد والدعوة إلى الهدوء وضبط النفس والنصائح المغلفة بالتحريض على الدوام والاستمرار في الحرب، ترسل دول الغرب لمواقع الحروب السلاح مقابل ما يدفع المحاربون وتحرص أن يكون السلاح غير فتاك وغير مؤثر وقد يكون رجيع سلاح قديم انتهت صلاحيته، ويكون الحصول عليه عن طريق طرف ثالث قد لا تعرف هويته ولا يتحمل مسؤوليته وتغض الطرف عن التجاوزات التي تحدث فلا تحسم الأمر لصالح أحد المتحاربين إلا حين يتعلق الأمر بأمنها ومصالحها، وما تحققه حروب الشرق أوسطية من فوائد للطرفين الأقوى الروس أو خصمها الناتو وهو الدافع الذي يحرص عليه كلا الخصمين.

أما في الحرب الأوروبية فقد اختلف الحال وتميزت المواقف وتغيرت اللغة من الحياد إلى الاستعداد، وأعلنت أوروبا الغربية الحمية لما يحصل في جزئها الشرقي وسارعت الدول في بعث السلاح وتحديد الميزانيات الخاصة للحرب وتقديم العون المادي والمعنوي وكل دولة في الحلف قدمت ما يخصها من مساعدة طوعية عسكرية ومعنوية الشيء الذي لم تفعله في حروب الشرق الأوسط العبثية.

وحتى النازحون الهاربون من الحرب كان الاستقبال لهم والترحيب بهم مختلفا فلم يحصروا في معسكرات اللجوء المعتاد بل رحب بهم وجاء المستقبلون لهم من جميع الدول وقدمت المساعدات السخية التي لم يحصل عليها اللاجئون الهاربون من الحروب الشرق أوسطية، اختلف الناس والجغرافيا واختلفت المواقف لاختلاف الناس واختلاف الجغرافيا ولم يختلف قبح الحرب وكوارثها والمستفيدين منها.

Mtenback@