شاهر النهاري

اغتنام فرص الأزمات والفوضى

الاثنين - 28 فبراير 2022

Mon - 28 Feb 2022

السياسة عالم الدبلوماسية والمصالح والحزازات والمقاطعات والتناقضات والتعقل، والتحدي، والمواجهات، والتحايل، واستغلال الفرص.

أزمة سياسية كبرى تحدث اليوم في أوكرانيا، وروسيا «بوتين» تتعمد فرض كلمتها وثقافتها وسياستها وسطوتها العسكرية عليها، بغرض تحجيم أيادي أعضاء «حلف الناتو» ومنعهم من محاولة ضم أوكرانيا لجانبهم.

روسيا لم تكذب خبرا، فاجتاحت أوكرانيا، والحلف بقائده العجوز الأمريكي مصدومون عاجزون عن الرد، ويكتفون بتجريم قيادات الكرملين، وفرض العقوبات المالية عليهم، والفوضى تستمر.

عصر من الضعف الأمريكي يشهده العالم، ما أعطى كامل الفرصة لبوتين القيصري، وما أقلق العالم بأسره، خوفا من أن يشجع ذلك دولا متضررة مثل الصين وكوريا الشمالية وغيرها للقيام بنفس التصرفات على حدود بلدانها، ما سيسبب تكشف الحقائق، ولخبطة أوراق حلف الناتو، وكتابة مرحلة مختلفة من تنوع وتلون حكايات التاريخ الأرضي في مفاهيم الاستبداد البشري.

أزمة أوكرانية خطيرة قد تنتهي بحرب مبسطة وعقوبات غير فاعلة من الناتو على روسيا، وربما تؤدي لانتصار عظيم لمطامع روسيا، وربما تحرق الطرفين بنيران التهور حال خرجت أحداثها عن حدود التوقعات، مستثيرة أطراف الشرور العالمية نحو حروب عبثية طويلة، ربما تستخدم فيها الأسلحة النووية، في حرب عالمية ثالثة ساحقة غير مسبوقة.

ونأتي لعين فطنة السياسة، فنجد بعض الدول التائهة في المنتصف، تتعمد اقتناص الفوائد أثناء عجاج مثل هذه الأزمات، وانشغال الدول العظمى والمنظمات العالمية بأحداثها، فهي فرص عظيمة يصعب تكرارها للدول المأزومة، التي تتمنى أن تحك جلدها بأظافرها، بعيدا عن رقابة وتحكم، وضغوطات الدول العظمى، المتعودة على كتم أنفاس الجميع.

فالدول التي تعاني من الفقر والأمراض والتخلف، لديها فرصة سانحة لتعمل لصالحها، وتعيد ترتيب أولوياتها الزراعية والتجارية والصناعية والتعليمية والصحية والأمنية، وأن تبادر بتحقيق عدالة وحقوق إنسان محلية، وأن تراجع ارتباطاتها وعقودها مع الكيانات الدولية، لتأجيل أو شطب أو إعادة برمجة قروضها، ولا شك أنها ستنجح طالما أن الدول العظمى لا تحضر القسمة وتلهف نصيبها المعلوم.

دول أخرى تبحث عن الترقي والتقنية والتصنيع والاقتصاد والنماء، وكانت تستجديها من الدول العظمى وتتكبد الديون المنهكة لحكوماتها وشعوبها، يمكنها خلال عجاج الفوضى أن تبحث عن البديل الأيسر، وهو موجود عند دول المنتصف.

دولة مثل إيران، يمكنها استغلال فرصة الفوضى والغفلة، لزيادة تهريب نفطها، وتكريس جهودها في إنتاج المخدرات وتهريبها، وتعظيم هيمنتها على الشواطئ والبحار القريبة، والممرات المائية، وأن توالي ترميم ودعم صفوف ميليشياتها بالمال والسلاح، وأن تزيد تمددها في صلب الدول العربية ثقافيا وإرهابيا وعسكريا، دون خشية من رقيب.

دول الخليج الغنية، يمكنها أن تستغل الفوضى والغفلة، بالبحث عن احتياجاتها ومصالحها الحقيقية المستحقة، في امتلاك الأسلحة الفاعلة المتطورة، التي تمنعها عنها الدول العظمى، فتشتري الصواريخ، ومضادات الطائرات، والمسيرات وتقنياتها من دول المنتصف كالهند وباكستان، وأن تستقدم منها فرق التصنيع الحربي، لتمكينها من تصنيع الأسلحة والمفاعلات والرؤوس النووية، ما سيعطيها المنعة والأمان وراحة البال، والاكتفاء الذاتي بعقول وسواعد شعوبها، بعيدا عن خداع ومراوغة الدول العظمى، والتي تدعي الصداقة، والشراكة، وهي لا تعرف إلا ديمومة مصالحها.

صدقوني، إن الفرص الجوهرية المحورية تحدث مع كل أزمة وكل فوضى، حتى وإن ندر من يعرفون كيف يستغلونها في حينها.