سائق تاكسي يغير وجه العالم

يريد إعادة الإمبراطورية السوفيتية.. وزوجته تعتبره مدمن عمل
يريد إعادة الإمبراطورية السوفيتية.. وزوجته تعتبره مدمن عمل

السبت - 26 فبراير 2022

Sat - 26 Feb 2022

هز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجه العالم، وتحول إلى صانع الأحداث الأول، عقب إعطاء الأوامر لقواته باجتياح أوكرانيا، وبعدما دفع بـ190 ألف جندي في حرب يعتبرها البعض أنها ستكون الحرب العالمية الثالثة.

جمع رجل المخابرات وسائق التاكسي السابق بين دهاء الساسة وشجاعة المقاتلين، وأثار جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض، وقدم نفسه بصورة مختلفة بعدما أعلن بالأمس أنه يقبل بمفاوضات السلام.

مر الرجل الذي جلس على رأس السلطة 22 عاما، بمحطات عاصفة في حياته، كان أصعبها عمله سائق تاكسي في العاصمة الروسية موسكو، أما أخطرها على الإطلاق فهي التي يعيشها حاليا بعد قرار الحرب، وتوابعها مجهولة العواقب.

سائق التاكسي

فيما يقود بوتين قاطرة الأحداث في العالم خلال الأيام الحالية، يتذكر الكثيرون كلماته في فيلم «التاريخ الحديث» قبل 4 سنوات، عندما قال إنه كاد يصبح سائق سيارة أجرة قبل أن ينتهي به المطاف إلى رئاسة روسيا، وأشار إلى أنه فكر جديا بالعمل كسائق تاكسي بعد أن استقال من جهاز الـ «كي جي بي» الاستخباراتي السوفيتي في انقلاب 1991 الذي فشل في الإطاحة بميخائيل غورباتشوف.

وأضاف «لم تكن لدي شقة، وكان علي أن أتدبر أمر معيشة زوجتي وأولادي بأي طريقة، فكرت بكل جدية في أنه إذا نجح الانقلاب واستطعت الإفلات من السجن فسأبدأ بالعمل كسائق تاكسي».

توقف بوتين عن العمل في جهاز الـ «كي جي بي» وضع عائلته بما في ذلك ابنتيه ماشا وكاتيا في مواجهة خطر محدق إذا ما زج به في السجن. ويقول بوتين عن تلك الفترة «هاجسي الوحيد في تلك الفترة كان طفلتي».

ومن حسن حظه أن الأمور مرت بسلام وانتقل بوتين لاحقا إلى موسكو حيث عينه بوريس يلتسين خلفا له في رئاسة روسيا.

مخابراتي سابق

يرى مراقبون أن بوتين يتحلى ببعض السمات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، والتي شكلت رؤيته للعالم.

عمل الرئيس في وكالة الاستخبارات السوفيتية المعروفة اختصارا بـ«كي جي بي»، قبل الصعود السريع لنجمه في خضم فوضى انهيار الاتحاد السوفيتي.

بدأ مساره السياسي في أوائل التسعينيات، عندما عمل كأحد كبار مساعدي أناتولي سوبتشاك، عمدة سانت بطرسبرغ آنذاك، والذي كان قبل ذلك أحد أساتذة بوتين في الجامعة.

في عام 1997، دخل بوتين الكريملين كمدير لوكالة الأمن الفدرالية «إف إس بي» (وهي الوكالة الرئيسة التي حلت محل الكي جي بي)، وسرعان ما عُين رئيسا للوزراء.

ليلة فاصلة

كانت ليلة رأس السنة عام 1999 ليلة حاسمة في حياة بوتين، تنحى الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين عن منصبه وعين بوتين رئيسا بالإنابة.

ومكث بوتين في السلطة منذ ذلك الحين، وإن كان قد اضطر إلى شغل منصب رئيس الوزراء بين عامي 2008 و2012 حيث كان ممنوعا بموجب الدستور الروسي من تولي فترة رئاسية ثالثة.

وعاد بوتين إلى سدة الحكم من خلال الفوز في انتخابات عام 2012 بأكثر من 66% من الأصوات، وسط اتهامات بحدوث عمليات تزوير شابت الاقتراع. أعاد بوتين العروض العسكرية التي تتسم بالأبهة والعظمة كتلك التي كانت تتم خلال الحقبة السوفيتية، كما بدأت صور ستالين في الظهور مرة أخرى بعد أن كانت محظورة.

أكبر كارثة

وصف بوتين انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه «أكبر كارثة جيوسياسية خلال القرن العشرين»، ومنذ عام 1997، انتقد مرارا توسع الناتو نحو الحدود الروسية.

وبات بوتين يستسيغ صورته الذكورية، التي برزت خلال بعض حيله الانتخابية، مثل سفره إلى الشيشان على متن طائرة نفاثة مقاتلة عام 2000، أو حضوره مهرجان روسي للدراجات على شواطئ البحر الأسود عام 2011، لكن وسائل الإعلام الروسية ألقت الضوء كذلك على الجانب الأكثر رقة لبوتين، حيث عرضت مقاطع مصورة له وهو يحتضن كلابه ويساعد في رعاية نمور الآمور المعرضة لخطر الانقراض.

ووفقا لاستطلاع أجراه مركز ليفادا الروسي في فبراير عام 2021، فإن 84% من الروس يرغبون في أن يبقى بوتين رئيسا إلى ما بعد عام 2024، ورغم أن الكثير من الساسة الغربيين ربما سيحسدون بوتين على هذه النسبة، لكنها ربما كانت تشير إلى أن الكثيرين، ببساطة، يعتبرون بوتين رهانا آمنا.

أحرز بوتين نقاطا سياسية لنجاحه في الحفاظ على الاستقرار النسبي لروسيا في أعقاب الفوضى التي تلت انهيار الشيوعية إبان تسعينيات القرن المنصرم.

طفولة صعبة

في طفولته، نشأ فلاديمير بوتين في مجمع سكني بمنطقة سكنية تتسم بالعنف في مدينة لينينغراد - التي أصبحت فيما بعد سانت بطرسبرغ - وكان يتشاجر كثيرا مع الصبية المحليين الأضخم حجما والأشد منه قوة.

كان بوتين يرغب في العمل لدى الاستخبارات السوفيتية «حتى قبل أن ينهي دراسته المدرسية»، ففي أكتوبر عام 2015، قال «قبل خمسين عاما، علمتني شوارع لينينغراد قاعدة مفادها أنه إذا لم يكن من المعركة بد، فعليك أن تسدد الضربة الأولى».

استخدم بوتين لغة مقاتلي الشوارع الفظة للدفاع عن هجومه العسكري على المتمردين الانفصاليين في الشيشان، إذ توعد بسحقهم ومطاردتهم في كل مكان «حتى في المراحيض».

نخبة الأثرياء

ويعيش الرئيس الروسي وسط نخبة من كبار الأثرياء، ويعتقد أنه هو نفسه يمتلك ثروة طائلة، رغم أنه نجح في إبعاد شؤونه العائلية والمالية عن الأضواء.

وكشفت تسريبات «أوراق بنما» عام 2016 عن شبكة مشبوهة من الشركات الأجنبية التي يمتلكها عازف التشيللو الروسي سيرغاي رولدوغين، وهو صديق لبوتين منذ وقت طويل.

في عام 2013، أُعلن طلاق بوتين من زوجته لودميللا بعد زواج استمر نحو 30 عاما. وصفته زوجته السابقة بأنه مدمن عمل.

ووفقا لوكالة رويترز للأنباء، إحدى بنات بوتين، وتدعى كاتيرينا، تشغل منصبا إداريا رفيعا في جامعة موسكو الحكومية، كما أنها راقصة تشارك في عروض الروك أند رول الأكروباتية، أما ماريا، الابنة الأكبرى لبوتين، فهي أكاديمية متخصصة في طب الغدد الصماء.

إقصاء الليبراليين

تهيمن النعرة الوطنية المتوافقة مع تصور بوتين على وسائل الإعلام الروسية، التي تتسم تغطيتها بتأييدها للرئيس، ومن ثم يتعذر تقييم النطاق الحقيقي للمعارضة.

خلال فترتيه الرئاسيتين الأولى والثانية، أدى دخل روسيا الكبير من النفط والغاز اللذين يشكلان صادرات روسيا الرئيسة، إلى تقوية مركز بوتين. تحسنت الظروف المعيشية لغالبية المواطنين الروس. لكن الثمن، برأي الكثيرين، كان تآكل ديمقراطية روسيا الوليدة.

ولكن منذ الأزمة المالية التي شهدها العالم في عام 2008، عانى الاقتصاد الروسي من الضعف والركود، ثم من تدهور أسعار النفط في السنوات القليلة الماضية.

حكم قيصري

ووفقا للروايات المختفلة، حكم الرئيس بوتين بالقومية الروسية المحافظة، وبه أصداء قوية لحكم القياصرة الديكتاتوري، كما يحظى بتأييد الكنيسة الأرثوذوكسية.

بعيد توليه الرئاسة، عكف بوتين على تهميش الشخصيات الليبرالية، وعادة ما كان يستبدلهم بحلفاء أقوياء له، أو محايدين لا يخالفونه الرأي، وعلى سبيل المثال، انتهى المطاف بشخصيات كانت مقربة من الرئيس السابق يلتسين، مثل رجلي الأعمال الثريين بوريس بيريزوفسكي وفلاديمير غوسينسكي، بالعيش في المنفى خارج البلاد.

وبعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وتحذير الرئيس بوتين من أن رد موسكو سيكون «فوريا» إذا ما حاول أحد التدخل، تتوجه كل الأنظار صوب الرئيس الروسي لترى ما الخطوة التالية التي سيقدم عليها.

محطات في حياة بوتين:

  • 1991 عمل سائق تاكسي

  • 1997 انضم إلى وكالة الأمن الفيدرالية «إف إس بي»

  • 1999 عين رئيسا بالإنابة لبوريس يلتسين

  • 2005 انتخب رئيسا للبلاد لولاية ثانية

  • 2008 شغل منصب رئيس الوزراء

  • 2012 عاد لرئاسة روسيا

  • 2013 أعلن طلاقه من زوجته لودميللا

  • 2022 أعلن غزو أوكرانيا