شاهر النهاري

المتنافسون على قيادة جوقة النشاز

الأربعاء - 23 فبراير 2022

Wed - 23 Feb 2022

العالم فجأة استثاره الجنون، فتوجه بكل مشاعره نحو فعاليات استعراض جوقة النشاز، التي ينغم «مارشاتها» العسكرية كل شرير أرضي، وكل سارق ألحان، وكل مشوه للنوتات، وكل من يدعي قيادة الجوقة الهائلة المشتتة، على مدى ممرات الكرة الأرضية.

وتزمر الأبواق، وتقرع طبول الحروب، وأصوات القِرب تستحث الدماء، وتنشر الخيانات، وتكتب البؤس والتهجير والخوف على شعوب لا ذنب لها، باستمرار مواسم الدموية، وتنافس خطوات العازفين، وكل منهم يحاول اختطاف الحلم من أعين الآخرين، ليكون ولو لوهلة بسيطة قائدا للفوضى، التي تهز أركان السلام العالمي، ولا يتحمس لها إلا دول الشر.

مقطوعات نشيد الموت تبدأ بحشود جيوش روسيا حول أوكرانيا، وبالمقابل يحتشد الناتو بأشتاته، يواجه القرع بالزعيق، والزعيق بالقرع، وكل يعتقد أنه قائد أعظم للجوقة، متحكم بالنقرات والخطوات، وأهل أوكرانيا وأهل القرم مجبرون على تحمل ضجيج الرعب والأحزان.

لا أحد يسمع لأحد، والعزف يختلط بكامل نشازه، ودون معرفة من يقود الفوضى، باعتبار أن بايدن، يعجز حتى عن الإمساك بعصا النظام، ولكنه يستحث اللاعبين الأوربيين الشباب ليتهوروا، وهو يعلم أن أمامهم خصما بوتينيا عنيفا، يجفي حوارهم بصلف قيصري، فوق طاولة التباعد، ويهددهم بانتزاع قيادة النشاز.

جوقة حربية متجددة مختلطة غريبة متشعبة، وكينونة دموية تدور بين البلدان، والحالمون يباهون بسرقة فرصهم للعزف، وتضخم ظنونهم عن أنفسهم بين مشارك في الأداء والقيادة، وبين منبطح، وواهم، وصاحب حيلة وصولجان، ومُحاور لكيك كاذب يحاول تشويه وإبطاء النغمات، وابتزاز حيرة الشعوب، المهددة بالموت، ويدفعها للهرب من الصخب القاتل.

إيران تظهر في مؤخرة الجوقة، وأذرعها تعزف على دمار لبنان وسوريا واليمن وغزة، والعراق، وتستجلب مقطوعات غيبية تحلم بقيادة، وهي تدير ألكأ حوار نووي مارق مع دول تبحث عن مصالحها المشتتة بين نوتات عناد روسيا العازفة في كل مكان، والصين التي تجمع جديد نوتاتها، لتفاجئ الجميع بنفخة تنين حارقة، وفرصة استيلاء على القيادة ولو لفترة معينة تثبت فيها روح نغمات إمبراطوريتها القديمة، وكوريا الشمالية تخبط الصاجات بعنف وعدم اكتراث.

تركيا تضبط النظام بأقدامها، لتثبت وجودها في سوريا والعراق، وليبيا، واليمن، وتونس والبحر الأبيض، وتحاول جهدها التراقص متماهية مع خطوات الخليج بنشاز.

إسرائيل تعزف متخفية بتوزيع خيالي، وتقدم الوعود للمغرمين بألحانها، ليصدقوا قدرتها على القيادة، ولو في حدود ضيق الشرق الأوسط وسواحل أفريقيا، ولكن الأمر أكبر من كل آلاتها النحاسية الواهمة.

أفغانستان، التي تحرم الموسيقى، تظل تقرع الطبول بأصابع البارود، وتخلق منتهى الخوف لعموم العازفين، بعد هروب قائد الفرقة وترك نشازها يسمع في باكستان وأذربيجان، والهند، والفرصة ما تزال متعاظمة لكل هاوي إرهاب يرغب في تقديم العزف المنفرد.

لم يعد على الأرض من هو بعيد عن جوقة الخوف المنغمة، ولا أحدا يثق بقائد حقيقي ينظم خطوات النشاز، ولم يعد للشعوب من يقين، ولا اختيار فيما يطلبون، وما يسمعون، ومنظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحقوق الإنسان، تظل تدعي أنها مسيطرة تقود، بعدالة، وتحكم الخطوات، مع أنها مقادة، وتجهل في تنوع النغمات، وتراصف الخطوات، وتستمر تصعق الدول الضعيفة، والشعوب الجائعة المسحوقة المظلومة، لمصلحة الكبار.

جوقة دمار دائمة التجول، وترفيهها فساد وظلم وضياع وموت، وهي في أفضل حالاتها تصيب الضمير العالمي بالصمم.

shaheralnahari@