بندر الزهراني

يوم التأسيس 22 فبراير 1727م يوم للتاريخ

الاثنين - 21 فبراير 2022

Mon - 21 Feb 2022

في البداية لا بد أن أعترف أنني لست مؤرخا، ولا مشتغلا بتدوين أحداث التاريخ، كما يفعل الزملاء من المتخصصين في هذا المجال، إلا أنني دائما ما أرى التاريخ كما لو كان وحيا تسترجعه ذاكرة الأجيال، فيجعل حسها متوقدا وحماسها حاضرا ورغبتها في استشراف المستقبل حاجة ملحة واستحقاقا لازما، فثلاثة قرون من العمل الدؤوب والتضحيات الجسام لتوحيد أرض الجزيرة العربية على رسالة التوحيد الخالدة أمر شأنه عظيم، والرجال الذين عملوا على تحقيقه وإبرازه لا بد وأن يكونوا من عظماء التاريخ!

ومن يقلب صفحات التاريخ الإسلامي على امتداده من عهد النبوة الشريفة وعهد السلف الصالح إلى يومنا هذا لا بد وأن يتوقف طويلا، وطويلا جدا، عند اسمين من الأسماء العظيمة: الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ والإمام محمد بن سعود -رحمهما الله-، وكلاهما كان ذا تربية ونزعة دينية سليمة، إلا أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب كرس جهده وجل وقته في طلب العلم، فسافر إلى الحجاز والأحساء والبصرة، وتلقى علومه هناك على أيدي علمائها في ذلك الزمن، بينما الإمام محمد بن سعود اهتم بتأسيس الدولة الحاضنة والحامية للدعوة الإسلامية الصحيحة، وكان لتقارب واتفاق أفكارهما وتوجهاتهما أثر بالغ في إحياء أمة تضرب بجذورها أعماق البشرية، وتعانق بطموحاتها عنان السماء.

إن الناظر لما تعيشه المملكة اليوم من خيرات وأمن واستقرار يدرك تماما مكانة وعظمة الدولة والقيادة، ويشعر بالتضحية التي قدمها المؤسسون الأوائل، ويستحضر البذل والعطاء الذي بذلوه وسخروه لاستمرارها وثباتها، ويتلمس المخاطر الحقيقية التي كانت تروم بهذه الدولة منذ نشأتها، وكيف نجح قادتها على مر العصور في وأد كل الفتن والقلاقل والصعاب، والتغلب عليها بالعقل والحكمة، وإن لزم الأمر فبالقوة والحزم، فالوضع لم يكن سهلا كما قد يتخيل البعض، بل إن الشيخ محمد بن عبدالوهاب تعرض لكثير من الأذى والهجوم والعداء، وكذا الإمام محمد بن سعود وأبنائه وأحفاده من بعده، فكانت التضحيات توازي عظم الدعوة وعلى قدر شجاعة وبطولة رجالها.

وإذا ما ذكر عظماء الدولة السعودية فإن شخصية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- تكون الحاضر الأول، كيف لا، وهو المؤسس لما نحن فيه من نهضة عصرية ونماء وتطور! فهو الذي اختار بتكوينه الديني وعروبته الأصيلة أن يكون حاميا للتوحيد ومطبقا للشريعة، فشرع الله وسنة رسوله يعلوان في بلادنا، وإليهما نعود، وبهما نتحاكم في كل أمورنا، فالفضل لله وحده، ثم لهذا الرجل العظيم ولأبنائه من بعده الذين ساروا على نهجه ونهج أبائه وأجداده.

وكملمح من ملامح النهضة الحقيقية التي نعيشها اليوم، دعوني أركز حديثي هنا عن التعليم، فمن شعب كان عدد المتعلمين فيه قليلا أو لا يكاد يذكر إلى شعب قد لا تجد فيه أميا واحدا لا يقرأ ولا يكتب، أما الجامعات فهي في الواقع خير شاهد ودليل على النهضة العلمية التي تشهدها المملكة، فهى جامعات عصرية، أضحت تنافس الجامعات العالمية في كل مجال وتخصص، وتخط لها خطا بارزا ومميزا لا يمكن إنكاره أو تجاهله، وأسهمت إسهاما كبيرا وملحوظا في تطور الفكر ودفع عجلته، بل طورت الإنسان والمكان معا، وجعلت من المملكة واسم السعودي علما بارزا في مختلف التخصصات الشرعية والعلمية.

سأخبركم عن نفسي (أنا) كمثال بسيط جدا على ما أقول، وغيري كثيرون، ففي قرية صغيرة -تغفو هانئة على جبال السروات الشامخة، وترقص بهجة وفرحا إذا ما احتفل الوطن بعظمائه- درست وتعلمت في مدارسها التي أنشأتها الدولة، وفيها لأول مرة تعرفت على سير العظماء من قادة هذه البلاد المباركة، ثم التحقت كغيري من أبناء الوطن بجامعات المملكة، وفيها تعلمت العلوم الحديثة، ثم ابتعثت إلى أرقى الجامعات العالمية برعاية كريمة وسخية من الدولة، وعدت مع آلاف المبتعثين، نحفظ لهذه البلاد وقادتها الفضل بعد الله عز وجل، ونبني وطنا أعناقنا مطوقة بفضله وخيره.

إن استحضار التاريخ الوطني وقادته أمر مهم في ذاكرة الأجيال؛ لتأصيل دوافع الفخر والاعتزاز لديها؛ ولتحفيز نوازع الطموح والتفوق، ثم إنه عامل رئيس في إدراكها لما أنعم الله به على بلادها من الأمن والاستقرار، وإن ما أقره خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله- من الاحتفال بيوم التأسيس لهو إيمان عميق برسوخ الدولة وعمق جذورها، واعتراف بفضل عظمائها ورجالها، ونحن معهما قلبا وقالبا وشعورا وممارسة، فكلنا رجالها وحماتها، ونبذل في سبيل أمنها واستقرارها واستمرار نهضتها ونمائها كل غال وثمين.. دمت يا وطني عزيزا شامخا بقيادتك الرشيدة ورجالك الأوفياء.

drbmaz@