إيمان أشقر

رقابة على الذكريات

السبت - 19 فبراير 2022

Sat - 19 Feb 2022

حديث سري للكبار فقط.

هل فكر أحدنا ممن بلغوا الخمسين مثلا أو يزيد في لحظة صفاء وود مع أبنائه أن يحكي لهم عن ذكرياته؟! لا نعني بالذكريات هنا البيت القديم وشظف العيش، وما كنا عليه من طرق المعيشة والمعايشة، ولكن نعني ما مر بنا من أشخاص لهم أثر في عواطفنا، سبب عشقنا لأغنيات دون سواها، عن أماكن محفورة في ذاكرتنا؛ لأنها مرتبطة بحدث خاص مثلا!

هل نملك الجرأة لنحكي لأحد أبنائنا عن الحب الأول والجرح الأول والموعد الأول؟!

هل يكون من الحكمة أن نعلمهم درسا في الوفاء أو في الخيانة مررنا به لتجنبهم إعادة التجربة أو أخذ الحكمة في التصرف إذا ما مر بهم ما يشابه ذلك؟!

هل ما مر بنا من تجارب غير صالح للنشر حتى وإن كان يرتدي براءة ذلك الزمان؟!

هل الذكريات خاضعة للرقابة ولو بعد حين؟! أم أن التجارب لا يحق لها إلا الدفن وأن تكن ماتزال حية؟!

تخيل.. لو تحدث والد مع ابنه عن شوق مر به، وعن حبيبة تمنى لو كان العمر لها ومعها، ولو أسرت أم لابنتها بأنها يوما ما مر بها حبيب، أو أن حبها الأول لم يكتمل... هل تقلل هذه الأحاديث الخاصة من احترام الأبناء لآبائهم أو أمهاتهم!؟ هل نفقد ثقتهم لو تحدثنا عن ماض بريء كان جميلا حينها؟!

هل نحن بحاجة ادعاء أن ماضينا كان صفحة بيضاء لم يلونها إلا توقيع صك الملكية الذي انتهى بهم؟

قد يقول البعض إن الذكريات ليست للنشر ولا يحق لنا أن نغمض أعيننا لتمر بنا خلسة أو جهرا.. وقيل إن السر إذا تجاوز اثنين فقد شاع، وقيل ما تجاوز ذاكرتك وباح به لسانك لم يعد سرا.

ماذا لو كانت ذكرياتنا تحت مقص الرقيب؟ هل نمزقها بأنفسنا؟ أم يمزقها أبناؤنا مع الاتهام بأننا أجرمنا؟ أم هل نقسم أن كهف الذكريات خال إلا من غبار السنين؟

الذكريات تبعث على الابتسام وإن كانت حزينة، الذكريات وقود اليوم والغد ومن خلالها نقول، برغم كل ما مر بنا، دائما هناك غد أجمل، وإن الحب الذي يمضي يأتي بعده حب أعمق.لا يوجد حب أخير، هو الوحيد والأول دائما، الأول ليس الترتيب وإنما للباقي الوحيد في الذاكرة والذي لا يخشى مقص الرقيب.

@DrEmanMA